
طارق الشناوي
هل يوجد مبرر للإقصاء؟!
ألم تشعر بقدر من التعاطف وأنت تتابع مقدمى البرامج الذين كانوا يبكون فرحاً بعد عزل مرسى عن حكم البلاد، مقدمو تلك البرامج فى القنوات الخاصة، كانوا فى خصومة مباشرة مع النظام الحاكم، كان رئيس الجمهورية المعزول يعتبر أن معركته الحقيقية معهم «ويسعى حثيثا لتكميم أفواههم» يريد أن يتغدى بهم قبل أن يتعشوا به، فكانت المفاجأة هى أنهم «فطروا» به.
كانت هناك خطة موضوعة قبل ساعات من 30يونيو لتقديمهم للمحاكمة بتهمة تكدير السلم العام وبعدهايبدأ «تسويد» وإغلاق تلك القنوات.. ولهذا وفى كل خطابات مرسى كان هتاف مريديه يعلو منذ اعتلائه الكرسى «الشعب يريد تطهير الإعلام»، التطهير فى عُرف السلطة الحاكمة يعنى دائما تكميم الأصوات المعارضة.
بين الحين والآخر كان يتم حصار مدينة الإعلام بعدد من الذين أطلقوا على أنفسهم «حازمون» أتباع «حازم أبوإسماعيل»، وهكذا صار هؤلاء المذيعون أعداءً للسلطة بينما بقاء هذه السلطة أصبح يشكل خطورة شخصية عليهم.
يجب أن نرصد أنه منذ ثورات الربيع العربى سقط تماماً الحياد الإعلامى، الحياد كان قد قبلها آيلا للسقوط.
قبل الربيع كان لدينا على سبيل المثال إعلام رسمى يراهن فقط على النظام وأقصى ما هو مسموح هو انتقاد رئيس الوزراء للتنفيس عن الغضب المكبوت ولكن مقام الرئاسة محفوظ تذكروا برنامج «البيت بيتك» الذى كان ينفذ بدقة تلك الخطة، القنوات الخاصة كانت أيضاً تحت قبضة الدولة مع اختلاف الدرجة، مع بزوغ ثورة 25يناير تحرك المؤشر وزادت مساحة الحرية وكانت القنوات الخاصة تحاول أن تمسك العصا من المنتصف بين نبض الشارع وقبضة الدولة، وجاءت القنوات العربية والأجنبية بمكاتبها فى القاهرة مثل «الجزيرة» و«العربية» و«الحرة» و«البى بى سى» وغيرها لتتوجه أكثر ناحية نبض الشارع وتمت مطاردة ومداهمة مكاتب أكثر من قناة وكانت «الجزيرة» مثلا كثيراً ما تتعرض للإغلاق وإلغاء ترددها فتنتقل إلى تردد آخر.
هل لعبت الفضائيات دوراً فى إشعال الثورة، وهل ما حدث فى مصر يوم 30 يونيو وقبلها بعامين ونصف فى 25يناير من صُنع الكاميرات!
الفضائيات من المستحيل أن تشعل الثورات ولكنها تمنح الأمل لمن يريدون التغيير، كأنها مثل غاز «ثانى أوكسيد المنجنيز» لا يشتعل ولكنه يساعد على الاشتعال. كان لمرسى أيضاً عدداً من القنوات تقف معه وتبرر أخطاءه فإذا كانت مثلاً «سى بى سى» و«أون تى فى» و«دريم» وغيرها تترصد له فإن على المقابل «مصر 25» و«الناس» و«الحافظ» وغيرها تدافع عنه ظالماً كان أم مظلوماً، ورغم ذلك ثارت عليه الجماهير لأنها لم تجد فى كشف الحساب تلك الإنجازات التى وعد بها. قناعات د.مرسى أن أصابع داخلية وخارجية أسقطته ولم يستشعر ولا مرة واحدة أن الذى لعب دور البطولة فى إسقاط مرسى هو مرسى، المواقع تغيرت فى لحظات، كانت القنوات الخاصة الرافضة لمرسى قبل 3يوليو تقف فى جانب المعارضة ضد النظام بعد هذا التاريخ صارت هى النظام بينما النظام السابق تحول إلى معارضة. قامت الدولة كرد فعل احترازى بالتضييق على القنوات الدينية المعارضة وسودت شاشاتها وقدمت بعض العاملين فيها للتحقيق وهو ما تعرضت له أيضا الجزيرة بل وتم طرد مراسلها من تغطية المؤتمر الصحفى الذى دعت إليه القوات المسلحة للوقوف على تفاصيل أحداث الحرس الجمهورى، والغريب أن الزملاء الصحفيين والإعلاميين من مراسلى القنوات الأخرى هتفوا مهللين بطرد مندوب الجزيرة.
تناسى الجميع أن المبدأ لا يتجزأ وأن ما حدث بالأمس للجزيرة من الممكن أن تناله أى قناة أخرى فى سياق مختلف.
الحكومات سواء كانت إسلامية أم ليبرالية لا ترتاح للإعلام، لم تتغير نظرة الحاكم للفضائيات، حتى إن الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى كلمته التى ألقاها بعد نفاد مدة الـ 48 ساعة، لم ينس أن يذكر أنه بصدد إعداد «ميثاق شرف إعلامى» وهو نفس المشروع الذى كان مبارك وبعده مرسى يلوحان دائما به كلما استشعرا خطراً إعلاميا، نعم انتهى عصر الحياد فلايوجد مقدم برامج محايد الآن ولكن لا مبرر أبدا للإقصاء والمنع!!