
محمد جمال الدين
وعلى نفسهـا جنت «...»!
فعلا لم يقص أحد جماعة الإخوان المسلمين من المشهد السياسى وإنما هى من أقصت نفسها «مثلها فى ذلك مثل براقش» وساعدت بيدها وليس بيد أحد فى قتل ابنها الوليد «حزب الحرية والعدالة» الذى كثيرا ما حلموا بأن يكون لهم حزب سياسى يخوضون من خلاله غمار السياسة فى العلن بعد أن اعتادوا ممارسة السياسة من تحت الأرض.
كان بيد الإخوان وحزبها فرصة ذهبية جاءت إليهم دون أن يسعوا إليها، وأصبحت لهم الأغلبية فى الحياة النيابية، بل إن مقعد رئيس الدولة دان لهم وأصبح محمد مرسى أول رئيس مدنى منتخب.. كل هذا تم دون أن يخططوا له بل إن الظرف السياسى فى مصر بعد خلع مبارك هو الذى مكنهم من مصر، هذا الظرف هو نفسه الذى لم يجيدوا استغلاله بالشكل الأمثل الذى يمهد لهم المشاركة الفعالة مع الشعب الذى فرح بثورته فى يناير، ولكنهم قرروا الاستحواذ على هذه الثورة ورفضوا أى محاولة صحيحة للوصول إلى قلب وعقل هذا الشعب الذى تحمل منهم الكثير، وساعدتهم فى تحقيق هذا سيطرتهم على الحياة النيابية والتشريعية وبمباركة من رئيسهم الذى يتولى السلطة التنفيذية، الذى لم يكن يشغل سوى منصب مندوب الجماعة داخل الرئاسة ولم يكن أبدا رئيسا لمصر وللمصريين كما تعهد فى بادئ الأمر عندما أعلن فوزه عقب الانتخابات الرئاسية، فلم يراع مطالب الشعب فاعتمد هو وجماعته على الخطاب الاستعلائى الإقصائى الذى لا يعترف سوى بما يقولونه دون الالتفات لما يقوله غيرهم، تماديا منه ومن جماعته فى التمسك بالكرسى، وكذلك لم يعترفوا بالإرادة الشعبية الثورية التى استمدوا هم أنفسهم منها مقاعدهم عندما أقصى الرئيس الأسبق مبارك.
لم يمر كثير من الوقت حتى اكتشف الشعب أن مرسى وجماعته لم يختلفوا كثيرا عن مبارك وحزبه «الوطنى» فجميع قراراتهم متأخرة ولصالحهم فى المقام الأول والأخير، وإن كان هناك قرار ما فهو أيضا بعيد عن نبض الشارع.. والأدهى فى الأمر أن قرارات مرسى لم تكن تصدر منه شخصيا أو حتى تساعد فى حل مشاكل الشارع المصرى لكونها كانت تأتى إليه رأسا من مكتب الإرشاد فى المقطم لتذهب من خلاله إلى مجلس الشورى العائلى الذى أعطوه سلطة التشريع، والمكون فى مجمله من الأهل والعشيرة، اللهم إلا من بعض المعينين الممثلين لبعض القوى السياسية الأخرى الذين سرعان ما تقدموا باستقالاتهم عندما تأكدوا أنهم لن يتمكنوا من فعل أى شىء نتيجة لتكتل نواب الأهل والعشيرة عليهم لتحقيق أهدافهم وليس أهداف الشعب.
فى الشورى الأهل والعشيرة لم يشرع إلا ما يصب فى مصلحتهم وأقصى من على خريطتهم كل من يقول لهم غير ما يريدونه فدخل هذا المجلس فى صدام مع مؤسسة القضاء لتمرير أنصاره داخل هذه المؤسسة، ثم دخل فى صدام آخر مع الإعلام الذى كثيرا ما وقف معهم وقت أن كانوا يعملون تحت الأرض عن طريق لجنة الثقافة والسياحة والإعلام، وعندما قام هذا الإعلام بكشف ممارساتهم الخاطئة تصدت لهم هذه اللجنة فغيرت وبدلت فى الصحف القومية لتضمن ولاء هذه الصحف تجزل العطاء لهذه الجريدة وتمنعه عن الأخرى فأصبح مقدار الولاء للأهل والعشيرة المقياس فيصبح من حق رئيس اللجنة أن يكتب عمودا فى تلك وتفرد له الصفحات فى أخرى.
لم ينته الأمر عند ذلك فقد نالت مؤسسة الشرطة الكثير من الأهل والعشيرة فلم تسلم هذه المؤسسة من الانتقادات والهجوم غير المبرر رغم تقديمها للكثير من الشهداء المنتمين إليها نتيجة لتأدية دورهم فى حماية الجبهة الداخلية ولكن كل هذا لم يشفع لهذه المؤسسة الوطنية فخرج من يقول علينا من الأهل والعشيرة بأن هناك فسادا وأنه لابد من هيكلة هذه المؤسسة التى نالها العديد من سهام النقد والتجريح.
حتى جهاز المخابرات صاحب الدور الوطنى الأصيل سواء فى وقت السلم أو الحرب لم يسلم من هجومهم ونالهمن الحب جانب، حيث ادعى عليه البعض من الأهل والعشيرة بأنه يرعى تنظيما من البلطجية ثم يتم اتهامه بأنه من أركان الدولة العميقة وأن العاملين فيه من رجال الراحل عمر سليمان «الذى لم يكن هناك ما يعيبه» وتناسى هؤلاء الدور الذى يلعبه هذا الجهاز الذى لم يسع أبدا العاملون فيه لنيل بطولة أو تقدير واكتفى رجاله بما يقدمونه لمصر وشعبها.
المؤسف أن كل هذه الاتهامات والانتقادات التى نالت من مؤسسات مصر الوطنية كان يتم وفق منهج مدروس غرضه الأساسى تمرير رجالهم لدخول هذه المؤسسات والسيطرة عليها لاستخدامها لصالحهم، دون أدنى تدخل من قبل رئيس مصر السابق الذى لم يجد فى هذه الإساءات عيبا ولابد من التصدى لمن يتبنى هذا المنهج، ولكن لأنهم من الأهل والعشيرة فغض الطرف مطلوب، هذا تحديدا جل ما كان يفعله الرئيس السابق مادام الأمر يخص الأهل والعشيرة فأثبت بما لايدع هناك أدنى مجال للشك بأنه لايتسم بالحكمة والذكاء وهذا أيضا ما تأكد فى خطابه الأخير الذى وسع من حجم الفرقة بين المصريين لدرجة وصل معها الأمر إلى أن البعض قارن بين خطابه هذا وخطاب مبارك الأخير قبل تنحيه عن الحكم، وبالطبع كانت النتيجة لصالح مبارك الذى استطاع أن يكسب وقتها تعاطف البعض، أما مرسى فقد كان خطابه سببا فى اشتعال حدة غضب وحنق المصريين منه ومن أهله وعشيرته.لذلك كان لابد من تدخل القوات المسلحة التى قامت بدورها الأمنى والأخلاقى والتاريخى للوقوف بجانب هذا الشعب الذى لم يجد من يعطف عليه، لأن مصر تحتاج رئيسا يوحد جهود شعبها لا أن يفرقهم.. رئيس يعمل لصالح كل المصريين لا رئيس لجماعة أو عشيرة، رئيس لا يأتى إليه الوحى من السماء فيصبح بالنسبة لأنصاره أمير المؤمنين الذى لايجب أن يعارضه أحد.. رئيس لا يحتكر الإسلام ويخص به نفسه وعشيرته، على اعتبار أن الغالبية العظمى من الشعب إسلامهم منقوص.. رئيس لا يخل بتعهداته مع الشعب ويكبله بدستور غير متوافق عليه بالمرة.
وأخيرا رئيس يحترم شعبه ويحترم مؤسساته الدينية ولايسمح لأنصاره بالتعدى عليها وعلى رموزها.. رئيس يخاف الله فى هذا الشعب الطيب الذى يستحق أن يكون فى حال أفضل مما هو فيه بكثير.