
طارق الشناوي
عبد الوهاب ورامى.. الإبداع فوق وتحت السرير!
كان الشاعر الكبير أحمد رامى لا يستطيع أن يكتب إلا فى حالتين وهو يستقل الترام وعلى إيقاع عجلاته يكتب أشعاره أو وهو قابع تحت السرير يستلهم ومضات الإحساس الشاعرى، بينما الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب كان لا يأتيه الإلهام إلا وهو مستلقٍ فوق السرير، وهكذا قدم الاثنان معاً عشرات الأغانى الناجحة وآخرها «إنت الحب» لأم كلثوم من فوق وتحت السرير.
هل ينبغى للفنان المبدع أن تكون لديه كما يقولون فى العامية المصرية «حتة لاسعة»؟! أو كما نردد دائماً «الفنون جنون» الحقيقة أن أغلبهم ستجد لديه شيئا مما نطلق عليه «لسعان»، ولكنه لا يصعد بالضرورة إلى مرحلة الجنون.. تذكرت هذه الكلمة «لاسع» وأنا أقرأ حواراً قديماً لمحمد عبدالوهاب عن الفارق بين الشقيقين منصور وعاصى رحبانى.. كان عبدالوهاب - بحكم العمل - قد اقترب منهما فى العديد من الأغنيات، حيث لحن من كلماتهما ووزعا موسيقياً له ألحان مثل «سهار» و«مُربى» و«سكن الليل» لفيروز و«ضى القناديل» لعبدالحليم حافظ.. فهو كان على مسافة تكفى ليكشف غموض تلك العملية الإبداعية، السؤال كان يتردد فى حياتهما وزاد بعد رحيل عاصى رحبانى قبل 27 عاماً، حيث كان البعض يؤكد أن منصور أيضاً مات لأن عاصى هو الإبداع.
منصور ولا شك مبدع ولكن عبدالوهاب كان يرى أن عاصى أكثر إبداعاً لأنه - لاسع - أكثر فهو دائم الخروج عن القواعد المتعارف عليها أى لديه شطحات فى سلوكه منحته تلك الحالة الاستثنائية.
لم يكن محمد عبدالوهاب معروفاً عنه سوى الانضباط الشديد، ولكن ربما تجد لديه بعض العادات الغريبة مثل التردد والتوجس بسبب الخوف من العدوى والإصابة بالبرد، ولهذا كان يطلب من أصدقائه قبل لقائهم أن يكرروا خلف الباب كلمة مأمون ثلاث مرات فإذا خرجت صحيحة الميم ميم والنون نون يلتقى بهم وهو فى مأمن من عدوى البرد.
الموسيقار بليغ حمدى كان لا يلتزم بموعد حتى أنه نسى يوم زفافه من وردة وسافر فى نفس التوقيت إلى بيروت.. كانت أم كلثوم لا تستقبل أحداً يتأخر ولو دقائق عن موعده، ولهذا كانت تضج كثيراً بسبب عدم التزام بليغ حتى أنه لم يحضر بروفات أغنية «بعيد عنك» ويومها قررت أم كلثوم التوقف نهائياً عن التعامل معه، لكنها غنت له بعدها «الحب كله» و«حكم علينا الهوى» وغفرت له بسبب «لسعان» موهبته ما كانت تعتبره خطيئة لاتغتفر!!
الموسيقار كمال الطويل كانت لديه عادة غريبة وهى أنه قبل أن يبدأ فى التلحين يهرع إلى محل سمك بجوار منزله يتأمل أنواع الأسماك ولو من بعيد لبعيد وبعدها يصعد للمنزل ويلحن أعذب النغمات. وسوف تلاحظ أنه حتى المنضبطون ظاهرياً لديهم تلك اللمحات مثلاً عملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد عندما أراد أن ينسى حبه للفنانة الكبيرة مديحة يسرى طلب من صديقه الفنان التشكيلى الكبير صلاح طاهر أن يرسم لوحة لتورتة تحوم حولها الحشرات ووضع اللوحة فوق السرير وكان يقصد بالحشرات أهل الفن، حيث إنه كان يعارض اشتغال مديحة بالتمثيل.. وكان العقاد قبل أن يذهب لسريره ينظر للوحة بضع دقائق ثم ينام قرير العين، ورغم ذلك فلقد كتب بعدها عنها أكثر من قصيدة حب!
الملحن محمد القصبجى كان مغرماً بإصلاح الساعات وكان يحتفظ دائماً بأى قطع قديمة يجدها فى طريقه حتى ولو كانت مجرد علبة سجائر فارغة وعند رحيله وجدوا شقته مليئة بالساعات القديمة والكراكيب.. الراحل عادل أدهم كان مولعاً بتلميع أحذيته بنفسه ويتفنن وهو يضع عليها الورنيش وكأنه يلتقى بمحبوبة بعد طول اشتياق، بينما حلمى بكر له هوايتان الأولى هى الزواج من الفتيات الصغيرات حتى إنهم أطلقوا عليه «حلمى يار» وفى قول آخر «بكريار» وفى أوقات الفراغ بين زيجة وأخرى يتفرغ للهواية الثانية وهى إصلاح السيارات القديمة، فهو لديه أذن متخصصة فى التمييز بين صوت «شكمان» عربة منفلت بنفس درجة تمييز صوت المطرب النشاز!