
طارق الشناوي
«الصورة المفقودة» فيلم يهتف فى «كان» يحيا الفن!
كثيرا ما تسرق المسابقة الرسمية الاهتمام الإعلامى الأكبر فى مهرجان كان.. ولكنى أترقب أيضا مسابقة نظرة ما التى تعلن جوائزها مساء اليوم السبت، حيث يسبق بأربع وعشرين ساعة جوائز «المسابقة الرسمية»، فى احتفالية خاصة ولافتة حيث يتم أيضا تكريم كل العاملين فى تنظيم الدخول إلى دور العرض باعتبارهم جزءاً حيويا من الحالة العامة ولا يكتمل مشهد المهرجان إلا بهؤلاء، صحيح أننا هذا العام عانينا الكثير ونحن نقف أمام دور العرض تحت سطوة الأمطار الغزيرة ولكنهم فى النهاية كانوا حريصين على تحقيق أكبر قسط ممكن من التنظيم للعاملين، شاهدت أغلب أفلام هذا القسم وبرؤية موضوعية، أعتقد أن الفيلم الفائز بجائزة الأفضل فى تلك المسابقة هو «الكمبودى» «الصورة المفقودة».
إنها تلك الصورة التى تؤكد أن الإبداع أقوى حتى من الواقع لأنه قادر من خلال خيال الفنان على استعادته، الفيلم يروى تاريخا يقع ما بين عامى 57 و97 أثناء حرب الإبادة التى تعرض لها جزء أصيل من شعب كامبوديا، كانت هناك محاولات أثناء تلك الحرب لتوثيقها.. ولكن اكتشف المخرج أن عوامل الزمن تدخلت وسحقتها تماماً مزج المخرج ريثى بانا بين تلك الرؤية التى صورت فى زمن سابق بين التسجيلى والروائى وهو ما يطلق عليه «سيمى دراما شبه درامى»، مستعيناً أيضاً بالرسوم التى سجلها فنانون ولكنها لم تكتمل بل وبحكم الزمن وضآلة الخبرة فى التخزين ضاعت ملامح هذه الأشرطة تماماً وتوارت تفاصيل تلك الرسوم ولكن المخرج لم يكتف فقط بأن يحاول ترميمها.. ولكنه كان يحرص على أن يعيد إليها أيضاً نبض الحياة. الفنان دائماً لا يقهره شىء والفن لا يزال هو القادر على التوثيق وكما كتب القدماء المصريون التاريخ على أوراق البردى وحفروه على أعمدة المعابد.. فإن الشريط السينمائى وثق حياتنا، ولكن ماذا يفعل الفنان عندما يجد أن الأرشيف تم انتهاكه والصور ضاعت ملامحها، يستطيع الفنان أن يعيد إلينا هذه الحياة من خلال إضافاته الخاصة، لقد استطاع المخرج مجدداً أن يقفز فوق كل العوائق وحفر العديد من الشخصيات على الخشب وأعادها لنا مرة أخرى فى حالة ألق وإبداع لنسترجع كيف حدثت الإبادة لمن نطلق عليهم «الكامبوديون الحُمر» مثل الهنود الحُمر السكان الأصليين لأمريكا الذين تمت إبادتهم من الحياة، يمزج المخرج بين تلك الرسوم والمجسدات وأيضاً الطبيعة لنرى كل هذا الألق والحضور الذى يطل علينا عبر الشاشة، شاهدت الفيلم الممتع ووجدت أنه يحظى بالقسط الأكبر من تصفيق الجمهور فى الصالة، الفيلم فى عمقه الحقيقى يحمل رسالة عظيمة تقول كلماتها يحيا الفن قبل وبعد الإنسان!!