
طارق الشناوي
سلاح الأحذية الطائرة!
لم يعد هناك شىء مستبعد بل إن المستبعد صار هو ألا تجد ما هو مستبعد، فى كل مرة تفاجئنا برامج «التووك شو» بأنها أصبحت «توك شوز» وذلك بسبب كثرة تبادل الأحذية بين الضيوف حيث صار عدد منهم يستعد قبل البرنامج بفك أربطة الحذاء تأهباً لإرسال ضربة استباقية أو للرد الفورى على ضربة مباغتة. اضطر كل من الإعلاميين وائل الإبراشى وطونى خليفة بعد طول مداراة إلى تقديم تلك المشاهد المحذوفة من برنامجيهما لعدد من النشطاء والسلفيين الذين لجأوا للتعبير عن وجهة نظرهم بالأحذية.
الحقيقة أن العنف فى برامج «التوك شو» تستطيع أن ترى بداياته تاريخيا من خلال برنامج «الاتجاه المعاكس» على قناة الجزيرة عندما كان مقدم البرنامج فيصل القاسم يحرص على زيادة حدة الصراعات بين ضيوفه وكلما ارتفع السقف زادت جرعة المتابعة الجماهيرية ولهذا كان فى اختياراته يتعمد أن يصل الخلاف إلى 180 درجة ويعلو الصوت ثم تزداد حدة نبرة الغضب وتتسلل بين الحين والآخر الشتائم وقد ينتهى الأمر إلى تبادل الكراسى الطائرة والتهديد بالأسلحة البيضاء وصولا إلى النارية.
الكثيرون كانوا يعتبرون أن النجاح يساوى كم الصخب والتجاوزات اللفظية والحركية فى البرنامج، وبالفعل حجزت مثل هذه البرامج لنفسها مكانة متميزة على خارطة الفضائيات.
أتصور أن استخدام الأحذية بهذا الإفراط أحد توابع الانفلات فى الشارع الذى صاحب ثورات الربيع العربى، هل تتذكرون صورة السيدة المصرية التى استخدمت شبشب بلاستيك للتعبير عن ندمها وهى تضرب رأسها فى لقطة تليفزيونية شهيرة لأنها منحت صوتها لمحمد مرسى رئيساً لمصر.
الأحذية أيضاً ترتبط بتلك اللقطة التى لا تنسى عندما انهال الصحفى العراقى منتظر الزيدى بحذائه فى قذيفتين متتاليتين صوب جورج بوش الابن فى مؤتمر صحفى بالعراق قبل نحو 7 سنوات واستطاع بوش برشاقة تفادى الحذاء بينما هناك من كتب قصيدة يشيد فيها بالزيدى على اعتبار أنه البطل المغوار الذى انتصر على أمريكا من خلال رشق رئيسها بالنعال. هل أذكركم بالحذاء الذى رفعه نيكيتا خروشوف رئيس الوزراء السوفيتى فى الأمم المتحدة فى الستينيات متوعداً أمريكا بالويل والثبور وعظائم الأمور. ولدينا فى مصر أحذية أخرى شهيرة مثل المستشار القانونى الذى وضعه فى المحكمة على منصة القضاء.
لم تعد مثل هذه التجاوزات من الطرائف التاريخية كما كان يحدث فى الماضى بل صارت وكأنها جزء من البرامج، كل ضيف صار يحرص على أن يقدم اللقطة الأخيرة التى يحولها المشاهد إلى لقطة ثابتة حتى يصل إلى لحظة الذروة وبلغة الموسيقى «كريشندو»، عدد من ضيوف تلك البرامج يبحثون عن «الإيفيه» الذى يردده الناس.
أصبح لدينا نجوم فى الفضائيات حيث تحقق لهم هذه البرامج عائدا ماديا وأدبيا وفى العادة فإن الضيف الذى يثير الاهتمام هو الذى تبحث عنه برامج «التوك شو» وتدفع له الرقم الذى يريده على اعتبار أن الغالى «تمنه فيه». صار لدينا أكثر من 700 فضائية ناطقة بالعربية وأصبح واحد من الأهداف الرئيسية هو العثور على المشهد المثير والساخن كما أن عددا من الضيوف صار يقدح زناد فكره من أجل «الإيفيه» الذى يردده المشاهدون مثل هذا الشيخ الذى طلب من المذيعة أن ترتدى حجاباً قبل لقائه وذاك الذى أصر أن تضع أخرى بينها وبينه ساتراً حتى يصبح اللقاء شرعيا، وفى العادة فإن مقدمى البرامج لا يجدون بأساً من الانصياع لتلك الطلبات الغريبة فهم يدركون أن مثل هذه التفاصيل تظل فى الذاكرة وتمنح برامجهم مساحات من الاهتمام حتى أننا لم نعد نرى فى الفضائيات «تووك شو» بل «توك شوز»!!