الإثنين 21 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
عبدالحليم والرقص على إيقاع الزمن!!

عبدالحليم والرقص على إيقاع الزمن!!


قبل خمسة عشر عاما سألت الموسيقار الكبير الراحل «كمال الطويل»: ماذا لو امتدت الحياة بعبدالحليم حافظ وتجاوز السبعين من عمره.. ما الذى كان من الممكن أن يقدمه للناس فى عصر «الفيديو كليب»؟!

 
أجاب «كمال الطويل»: سيقدم «الفيديو كليب» بأسلوب «عبدالحليم»!
 
«عبدالحليم» الذى نحتفل هذه الأيام بذكرى رحيله 36  لو كان بيننا الآن لتجاوز الثمانين بأربعة أعوام.. تأملت كلمات «كمال الطويل» ووجدت أن سر «عبدالحليم» أنه كان ابناً للزمن الذى يعيشه، بل سابقاً أيضاً للزمن، يراهن على الكلمة واللحن القادم، كنا نعيش مع مطلع الخمسينيات فى مصر ثورة سياسية وتحررا وطنيا، وجاء «عبدالحليم» ومعه «كمال الطويل» و «محمد الموجى» و«صلاح جاهين» وانضم إليهم من الجيل السابق عليهم الشعراء «مأمون الشناوى» و«مرسى جميل عزيز» و«حسين السيد» فأحالوها إلى ثورة عاطفية أيضاً!
 
أطلق «عبدالحليم» بأغنيته «يا سيدى أمرك.. أمرك يا سيدى» التى غناها فى فيلم «ليالى الحب»  1955  أول احتجاج ساخر على الأغنية التى كانت سائدة قبل الخمسينيات، فهو مثلاً يقول: «بحقك أنت المنى والطلب» ثم يكمل: «والله يجازى اللى كان السبب»! الكلمات كتبها «فتحى قورة» ولحنها «محمود الشريف» و «بحقك أنت المنى والطلب» قصيدة شهيرة من تلحين الشيخ «أبوالعلا محمد» غناها فى الزمن القديم  كل المطربين والمطربات وعلى رأسهم «أم كلثوم» تلميذة الشيخ «أبوالعلا»!!
 
وهكذا كان المجتمع فى الماضى يسمح بثورة ضد الجمود و«عبدالحليم» هو ابن شرعى لزمن التمرد.. فى عام 1953  عند إعلان الجمهورية المصرية  رسمياً قال «يوسف وهبى» فى حفل لأضواء المدينة: «اليوم تعلن الجمهورية ويعلن أيضاً مولد مطرب جديد».
 
واستمرت رحلة «عبدالحليم» الوطنية مع الثورة وفى نفس الوقت كان «عبدالحليم حافظ» زعيم الأغنية العاطفية فى مصر العالم العربى!!
 
لا شك أن «عبدالحليم» فى إصراره على البقاء متربعاً على عرش الأغنية كان بين الحين والآخر يتعرض لمحاولات إقصائه أو استبداله أو على أقل تقدير مشاركته العرش.. بدأت المحاولات مع «كمال حسنى» هذا المطرب الذى وقفت وراءه المنتجة «مارى كوينى» لهذا أنتجت لكمال حسنى فيلم «ربيع الحب» بعد عام واحد من تقديم «لحن الوفاء» لعبدالحليم وأكثر من ذلك لنفس مخرج «لحن الوفاء» إبراهيم عمارة ونفس البطلة «شادية» وصديق البطل «عبدالسلام النابلسى»!!
 
وعندما اختلف مع «محمد الموجى» أطلق الأخير أصوات «محرم فؤاد» و«عبد اللطيف التلبانى» و«ماهر العطار» وصولاً إلى «هانى شاكر». 
 
ربما كانت أكثر اللحظات توترا  التى عاش فيها «عبدالحليم حافظ» القلق الفنى تلك التى شهدت تألق «محمد رشدى» وشعبيته الجارفة بعد أغنيات «وهيبة» للأبنودى و«عبدالعظيم عبدالحق» ثم «عدوية» للأبنودى و«بليغ حمدى»!!
 
كان «عبدالحليم» يغنى كلمات مغرقة فى الشاعرية والتجديد كتبها الأخوان «رحبانى» ولحنها «محمد عبد الوهاب» وهى «يا شارع الضباب مشيتك أنا مرة بالعذاب ومرة بالهنا».. و«محمد رشدى»  يردد «فى إيديا المزامير وفى قلبى المسامير».. وأعجب الجمهور فى هذه المرحلة بالمزامير والمسامير.. فهى على الأقل أشياء ملموسة لا تتحرك فى الظلام مثل «شارع الضباب».. إنه مجتمع اشتراكى يمنح العمال والفلاحين50٪  من مقاعد مجلس الشعب -  مجلس الأمة وقتها -  وغير «عبدالحليم» البوصلة الغنائية العاطفية إلى الشعبية وقدم «سواح» لمحمد حمزة و«بليغ حمدى»!!
 
رحل «عبدالحليم» قبل أن يكمل 48 عاماً وعدد كبير من مطربينا وصلوا إلى نفس الرقم بل تجاوزوه ولا نزال نطلق عليهم شباباً.. أنهى «عبدالحليم» مشروعه الغنائى قبل الثامنة والأربعين، وهم لا يزالون يبحثون عن مشروع.
 
فنان بحجم وفكر «عبدالحليم» لا يمكن أن يتحول إلى «ندابة» تهاجم جيلاً وعصراً ونبضاً وإيقاعاً ونغماً جديداً، لكن من المؤكد أن «عبدالحليم» كان قادراً - لو امتد به الأجل -  على أن يغنى على إيقاع هذا الزمن بأسلوب «حليمى» المذاق!!