مواطن مغربى لجمال عبد الناصر :سلم لى على إسماعيل ياسين!

 
 
روى لى أحد باحثى مراكز البحوث الذى قصَّ عليه أنهم فى الدولة العربية المجاورة كانوا ينتظرون الأفلام المصرية لمشاهدتها ويغلقون على أنفسهم النوافذ وينزلون الستائر حتى لايوشى بهم للسلطات.. وعَقَّب الباحث أنكم دولة ثقافية عظمى ولكن لا تعرفون كيف تسوقون البضاعة الثقافية، وأضاف: الولايات المتحدة الدولة العظمى فى العالم ليس لديها العمق الثقافى لمصر والدليل أن دراسة التاريخ الإنسانى فى المناهج الدراسية الأمريكية يبدأ بالمصريات.
 
 
 
 
هذه الحكاية نشطت ذاكرتى فى عدة وقائع تبرهن على صحة ما قاله هذا الباحث الأجنبى عن القوة الناعمة المصرية الناطقة باللغة العربية ذات المضمون العربي، هذه القوة الناعمة التى يشتاق إليها العرب فى كل مكان من المحيط إلى الخليج وتنتظرها الجاليات الناطقة بالعربية عبر العالم.
فمصر التى يتحدثون عن تأجير آثارها والتى يوجد به ثلث آثار العالم تثبت بآثارها وبشهادة المؤرخين أنها فجر الحضارة الإنسانية عمارة وزراعة وقوانين وقمة كل هذا دولة موحدة لم تعرف التقسيم منذ وحدها مينا.
استمرار الدولة واستمرار الحضارة، بل ذوبان وانصهار حضارات أخرى لدول مستعمرة كاليونان والرومان، بل عندما دخلت الأديان السماوية إلى مصر صارت أديانا بطعم مصرى وحافظت على حضارة مصر وأكملت البناء ولم تهدم من هذه الحضارة طوبة واحدة، بل تشكلت ثقافة عمادها نهرى زراعى وعمودها الفقرى دينى وأبدعت هذه الثقافة مختلف الإبداعات التى زحفت إلى محيط مصر العربى والأفريقى والإسلامي.
وعندما قامت الثورة المصرية عام 1952 وحمل الأثير نداء التحرر والقومية للمناضلين العرب فى الجزائر والمغرب واليمن والعراق والخليج لم يكن يحمل فقط الشعارات السياسية وإنما كان يحمل معه الإبداع الثقافى والفنى متمثلا فى إبداعات روائية وكتابات نقدية وغناء واكتمل كل هذا بالدراما المصرية التى لعبت دورا مؤثرا للغاية فى عشق المواطن العربى للهجة المصرية الناطقة بها هذه الدراما.
هناك العديد من الحكايات الطريفة عن عشق المواطن العربى للسينما وللدراما وأذكر قصة المواطن المغربى الذى خرج لتحية الرئيس عبدالناصر فى المغرب وعندما سمح له بمصافحته همس له أن يحمل تحياته إلى إسماعيل ياسين. وعلى ذكر المغرب فإن خطب وحوارات الملك محمد الخامس والزعماء المغاربة لم تنتشر فى المغرب إلا عبر إذاعة صوت العرب، وانتقل للجزائر حيث ساهم صوت العرب مع رجال ثورة 1952 فى إشعال ثورة الجزائر وإنجاحها لدرجة أن أحد مناضلى ثورة الجزائر سمى نفسه كولونيل صوت العرب عرفانا بدور صوت العرب ولدينا فى صوت العرب دراما يقوم بالتمثيل فيها أحد زعماء الثورة الجزائرية الرئيس بعد نجاح الثورة أحمد بن بيلا وكانت الفنانة الراحلة وردة تقول إنهم عرفوها فى الجزائر بعد غنائها فى مصر رغم أصلها الجزائري.
ولو عبرنا إلى تونس لوجدنا جانبا آخر مؤثرا وهو المناهج التعليمية حيث - رغم الخلاف السياسى بين عبدالناصر وبورقيبة.
أصر بورقيبة على تدريس مقررات اللغة والأدب والتاريخ المصرى  لطلاب المدارس التونسية ومازالت مستمرة رغم ما حدث لها فى مصر موطنها الأصلي.
وأذكر أنه فى إحدى زيارات الرئيس السابق التونسى السابق زين العابدين بن على أن قال له الرئيس التونسى وقتها إنه لايستطيع أن يرى نشرة أخبار تليفزيون تونس فسأله ما السبب فأجابه لأنها فى نفس الوقت تذاع حلقات درامية مصرية على الفضائية المصرية وهنا أعطى الرئيس المصرى أوامره لوزير الإعلام بتزويد الرئيس التونسى بعدد من أشهر أعمال الدراما المصرية مثل «ليالى الحلمية - الشهد والدموع - رأفت الهجان - الطريق إلى إيلات - وغيرها..».
مصر دولة ثقافية عظمى بقوتها الناعمة الحضارية: الأزهر واعتداله - السينما - الكُتاب. هذه القوة الناعمة قادرة على الاستقطاب والإقناع وسيطرتها ونفوذها ليس سيطرة عسكرية فيعد احتلالا ولا سيطرة اقتصادية فتعد استعمارا إنما قوة ناعمة طوعا وحبا.
فما الذى حدث لهذه القوة الناعمة وهذا المؤثر الحضارى الذى كان متوهجا هذا حديث آخر.