
طارق الشناوي
الفنانون بين العفريتة والاسموكن!
سألت يوماً المخرج الكبير الراحل هنرى بركات: لماذا تخرج أفلاماً متواضعة لا تتناسب مع تاريخك كصانع لأفلام عظيمة مثل «دعاء الكروان»، «فى بيتنا رجل»، «الباب المفتوح»، حيث كان فى سنواته الأخيرة يقدم أفلاماً دون المستوى مثل «نوارة والوحش»، «أرملة رجل حى»، «لعنة الأشرار»، «العسكرى شبراوى»؟!.. قال لى: أنا أنفذ وصية الشاعر والكاتب الكبير بديع خيرى عندما وجدنى أعتذر عن العديد من الأفلام لأنها لا تحقق طموحى الفنى نصحنى قائلا: يا هنرى أنت فنان نعم ولكنك أيضاً حرفى صاحب مهنة.. إذا وجدت سيناريو عظيماً مثل «دعاء الكروان» ارتدِ «الأسموكن» واذهب إلى الاستوديو وإذا لم تجد سوى «العسكرى شبراوى» ارتد «العفريتة» واذهب إلى الاستوديو وأنقذتنى نصيحة «بديع» من أن أقعد فى البيت أعد النجوم وأنتظر أن تنقذنى السماء بسيناريو «بديع»!
هل صحيح أن نجومنا ينفذون تلك الحكمة التى تعنى أن يتماشى الفنان بقدر من المرونة مع ما هو متاح أمامه وفى نفس الوقت يظل فى أعماقه ينتظر أن يأتى له العمل الفنى الذى يرضى غروره؟ أتصور أن أغلب فنانينا لا ينتظرون سوى الأجر الذى يتقاضونه وأغلب أحاديث الفنانين حتى تلك التى يغلفونها أحياناً بالندم على عمل فنى ما لا أصدقهم لأنهم يكررون الأخطاء، بل يمعنون فيها أكثر وأكثر طالما ازدادت أرقام عقودهم أكثر فأكثر.. دستورهم الوحيد «أبجنى تجدنى»!
إن الدفاع عن الأجر هو الذى يحيل نجومنا إلى قنابل موقوتة تدمر من يقترب.. فجأة تكتشف أن لهم مخالب وأنياباً تجرح وتقتل لأن الأمر يتحول إلى صفقة بالملايين ويعتقدون خطأ أن كلمات النقاد سوف تمنع عنهم تلك الصفقات.
متى يلبس الفنان العفريتة؟.. لا يوجد فنان لم يرتد العفريتة يوماً ما مهما بلغ التزامه هناك دائماً ظرف قاهر.. مثلاً قال لى المخرج «سعيد مرزوق» إنه كان فى مطلع التسعينيات فى احتياج للنقود بعد أن دخلت أمه المستشفى للعلاج إثر إصابتها بفشل كلوى يحتاج إلى دفع بضعة آلاف من الجنيهات كل أسبوع ولهذا وافق على أن يخرج فيلم «الدكتورة منال ترقص» ولم يرض أبداً عن هذا الفيلم، لكنه على حد قوله حاول أن يحتفظ بالحد الأدنى.. الفنان الكبير «محمود مرسى» فى آخر مسلسل له «بنات أفكارى» 2002 قال لى إنه لم يقتنع أن يقع فى حب إلهام شاهين وهو فى هذا العمر إلا أنه كان فى احتياج مادى وحاول أيضاً رغم ذلك أن يتعايش مع الدور.
الدرس هو أنه حتى لو اضطر الفنان إلى ممارسة حرفته عليه أن يجيد تفاصيلها.. وهذا هو ما فعله كل من سعيد مرزوق ومحمود مرسى وكان هذا هو بالضبط ما قصده الكاتب الكبير «بديع خيرى» فى نصيحته إلى هنرى بركات.. كان «بديع» يرى أنه ينبغى أن نبدع حتى فى الحرفة فإذا لم نعمل ما نحب فعلينا أن نحب ما نعمل.. وأتصور مع الأسف أن عدداً لا بأس به من نجومنا تحولوا إلى «آلاتية» حتى وهم يخلعون «العفريتة» ويرتدون «الاسموكن»!