
محمد جمال الدين
الشارع يسبق الجميع
هل الأحزاب الحالية الموجودة على الساحة السياسية تمثل الشعب المصرى؟!
.. سؤال لابد من الإجابة عنه بصراحة تامة لأن ما يحدث حاليا فى الشارع يثبت بل يؤكد بما لايدع هناك أدنى مجال للشك أن الأحزاب المصرية علمانية كانت أم إسلامية أصبحت فى وادٍ والشارع المصرى فى واد آخر فهو يموج الآن بحركات غضب ورفض لا يمكن أن يتوقعها قادة هذه الأحزاب الذين انحصر همهم فى الوقت الحالى «حسب وجهة نظر الشارع» فى البحث عن مصالحهم الشخصية فقط.
النظرة السريعة إلى الشارع ومشاهدة الاحتجاجات والاعتصامات التى لا تهدأ فيه ليل نهار تجعل الكثيرين على يقين بأن هذه الأحزاب لا تمثل سوى نفسها ودليلى على ذلك هتافات المحتجين ضدها وضد قادتها فى الآونة الأخيرة، وخرجت تصريحات تؤكد أن هؤلاء «السياسيين» لا يمثلون الشارع وما يجرى فيه ولا يجب أن يتحدثوا باسم من يتواجدون به.
بالتأكيد هناك أسباب لرفض الشارع لجميع القوى السياسية فالفقر يدق أبواب المصريين بقوة والغلاء يطحن عظام أغلبهم فى ظل وجود حكومة ونخب سياسية لا هم لهما سوى الحديث عن إطلاق التصريحات الوردية وعن الازدهار المتوقع والنهضة المتوقعة والمليارات القادمة التى لاتسمن ولا تغنى من جوع فى ظل واقع مؤلم يتجسد يوميا فى سقوط شهداء كل يوم فى محافظات مصر نتيجة للاقتتال الدائم فيما بينهم للحصول على رغيف العيش أو زجاجة زيت وكيلو سكر أو لحمة من الجمعية وفى ظل طوابير تمتد إلى أكثر من كيلومترات انتظارا للتر سولار أو بنزين، مع انتشار لا مبرر له للسوق السوداء على كل السلع الأساسية وغير الأساسية.
المؤسف أن كل هذا يتم وحالة الأمن فى الشارع غير مستقرة، بل إن هناك جرائم شهدتها مصر لم تكن معتادة بهذه الصورة التى تحدث الآن مثل سرقة سيارات نقل الأموال والرواتب والسطو على الصيدليات ومحطات البنزين ليلا والتمثيل بجثث المجرمين والبلطجية.
ومثلما شهدت مصر جرائم لم تعتدها شهدت أيضا اعتصامات لم نرها من قبل مثل اعتصامات واحتجاجات حملة الماجستير والدكتوراة للمطالبة بتعيينهم ولكن دون جدوى، فى الوقت الذى يرى فيه هؤلاء نجل رئيس الجمهورية تفتح له الأبواب على مصراعيها للتعيين فى وزارة الطيران لمجرد تخطيه امتحانات اللغة الإنجليزية واختبارات الحاسب الآلى بنجاح رغم أنه حديث التخرج، وكذلك اعترف أطفال الشوارع بإلقاء الحجارة على رجال الأمن انتقاما من المجتمع الذى تخلى عنهم وعرضهم للضياع دون أن يمد لهم يد العون، ثم نفاجأ بمجموعة من العمال تحاول فرض شروطها غير المستحقة على صاحب العمل وتهدد معاونيه بالأسلحة البيضاء لتنفيذ مطالبهم «حالة ابتزاز غير مبررة» فيقرر صاحب العمل من جانبه إغلاق مصانعه التى يعمل بها أكثر من 41 ألف عامل.. وأخيرا شهدنا العصيان المدنى فى محافظة بورسعيد التى فقدت 24 شهيدا فى لحظة نتيجة لعدم استماع السلطة الحاكمة وكذلك الأحزاب لمطالب أهل المحافظة التى أراها «من وجهة نظرى» مشروعة.
حتى شباب الثورة الذى بذل الدماء لإنجاح ثورته تم تغييبه وخطفت ثورته من قبل محترفى السياسة وأصبح الشغل الشاغل للحكومة والقوى السياسية أشعار الإنسان المصرى بالتجاهل والإهمال وعدم السعى لحل مشاكله، فكان الرد عليهم بالكثير من حالات الاحتجاج والاعتصامات حتى وصلنا إلى مرحلة العصيان نتيجة لتجاهل هذا الإنسان وتفرغ من يجلسون على المقاعد الوثيرة للبحث عن مصالحهم ومطاحنتهم لبعضهم البعض.
إن ما يحدث فى مصر الآن ليس سوى مظاهر نتجت عن عدم قدرة القوى السياسية والسلطة الحاكمة تحقيق آمال وطموحات المصريين التى كان من الطبيعى أن تتزايد عقب ثورة 52 يناير بشكل يتوافق مع رغباتهم، إلا أنهم فوجئوا بأنهم مازالوا مهمشين بل تم إقصاؤهم وإبعادهم عن كل ما هو فى مصلحتهم وبالتالى انقلبوا على كل ما يصدر من قبل هذه القوى ولم يعد يحركهم إلا دوافعهم وأمانيهم الشخصية بعد أن فقدوا إيمانهم بكل السياسيين وما له علاقة بعالم السياسة.
ولهذا تحديدًا أخشى ما أخشاه ألا تلحق القوى السياسية والحكومة بقطار الشارع الذى يسير بسرعة كبيرة وجعل الجميع يلهث خلفه، لأنه وقتها لن تكون هناك دولة وبالتالى لن يكون هناك قانون وستصبح الغلبة للأقوى أو لمن يحقق مصالح هذا الشارع حتى وإن تم ذلك عن طريق غير مشروع.