الإثنين 21 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
تجاعيد على المشاعر والعقول!

تجاعيد على المشاعر والعقول!


لأول مرة أقرأ هذا التعبير «إدمان البوتكس».. وهو مادة صارت تستخدم عن طريق حقن الوجه أو دهانه من أجل الحصول على بشرة لامعة بلا تجاعيد.. الإدمان للكحول أو المخدرات أو حتى البنزين أشياء كثيراً ما نتابعها فى الصحف والفضائيات، ومن فرط تكرارها لم تعد تثير دهشة أحد، ولكن «البوتكس» تبدو أحدث صيحة فى عالم الإدمان!

 قرأت أن الممثلة دانى ميونج شقيقة المطربة العالمية كايلى ميونج صارت مدمنة لتلك المادة.. الإدمان انتقل إلى عدد من سيدات المجتمع ليس فقط نجمات السينما والتليفزيون، بل إن الأمر لم يعد  فقط نسائيا، حيث إن عدداً من الرجال انضموا لحزب «البوتكسيين»، ولكننا نلاحظه بالطبع أكثر على وجوه المشاهير، شاهدت مؤخراً مذيعة تليفزيونية كبيرة تؤكد فى حديثها أنها لا تخشى مرور السنوات، وتسعد بأن توصف بأنها أم وجدة ثم لاحظت وجها مشدوداً «على سنجة عشرة»، وكأنها تنافس بشرة حفيدتها ما أفقد ملامح وجهها التعبير، هذه المذيعة كانت قبل 30 عاماً صاحبة أجمل وجه عرفته الشاشة الصغيرة فى العالم العربى والزمن قد يخصم جمالاً من الوجوه، لكنه من الممكن أن يضيف سحراً للروح، إلا أنها لاتزال تعتقد أن زحف السنين من الممكن إيقاف عقاربه.. شاهدت مثلاً تلك النجمة الكبيرة التى لا تكف عن الدخول فى معارك إعلامية تؤكد من خلالها أنها قدمت أعظم المسلسلات وأهم الأفلام، لاتزال تعتقد أنها النجمة الأولى والأخيرة، ولم تدرك أن الأمر لم يعد متعلقاً بموهبتها، هل هى قادرة على  فن الأداء أم لا؟ ملامح وجهها صارت تخونها أمام الكاميرا ولم يتبق سوى وجه ثابت التعبير.. الممثل وجه وعينان يجب أن تنطق بالإحساس الذى يعتمل بداخله حتى نصدقه.. عندما يفقد الوجه تعبيراته يحيل الفنان إلى دمية من البلاستيك.. ما الذى يتبقى بعد ذلك من أسلحة فى التعبير، كيف ينتقل الممثل من موقف إلى آخر بينما تخذله دائماً عضلات وجهه الثابتة.. هل يستطيع الإنسان أن يخدع الناس بوجه لامع دائماً، أم أن هناك هارمونية ستظل مفقودة بين الداخل والخارج.. نحن لا نكتشف أننا كبرنا من خلال تجاعيد الوجه وبياض الشعر فقط، لدينا ساعة بيولوجية تدق فى أعماقنا معلنة أن الأيام تمضى ولن تعود.. لجبران خليل جبران توصيف عميق بقدر ما هو موحٍ ودقيق يقول: إن الماس هو رأى الزمن فى الفحم.. يكمن الفحم فى أعماق الصخور عندما تمر أحقاب نراه وقد صار ماساً.. هكذا مشاعر الفنان يحيلها الزمن إلى قوة تعبيرية لا تقدر حتى بالماس، قد تخدعنا للحظات تلك الوجوه البراقة، ولكن تجاعيد المشاعر تفضحهم!
قبل رحيل الفنانة القديرة أمينة رزق 90 عاماً شاهدتها على مسرح «الهناجر» فى القاهرة وهو ساحة مخصصة عادة للتجارب الجديدة، كانت أمينة رزق تؤدى دورها فى مسرحية «شهرزاد» لم أر تجاعيد، ولكن أحاسيسها هى التى أطلت على المسرح وظلت حتى الآن ساكنة فى ذاكرتى، النجمات العالميات أمثال ميريل ستريب، شارون ستون، جوليا روبرتس يقفن أمام الكاميرا بوجه خال تماما من البوتكس، نيكول كيدمان أعلنت مؤخراً عن ندمها لأنها فى مرحلة ما استخدمت البوتكس!
الزمن يحيل الفحم إلى ماس والبوتكس يعيد الماس إلى مرحلة الفحم، فلماذا يصر البعض على أن يشترى التبن بالتبر!
ويبقى أن هناك بوتكس آخر أشد خطورة ووصل إلى حد الإدمان، إنه تلك التصريحات الخادعة التى صار يكررها أغلب الزعماء فى عالمنا العربى عندما يعلنون إيمانهم بحرية الرأى والتظاهر السلمى، كلمات براقة لامعة مشدودة وكأنها أدمنت تعاطى تلك  الحقن بينما عقولهم تفضحهم لأنها لا تزال تنضح بتجاعيد الديكتاتورية!