«عظماء» مصر القديمة
حفُلت مصر الفرعونية بعدد لا بأس به من الملوك الفراعنة الذين عاشوا حياة النعيم، وكانوا مَضْرب الأمثال فى مصر والشرق الأدنى القديم بالثراء وحياة الترف والنعمة التى حظوا بها رُغم أن بعضهم كان من الملوك المقاتلين، الذين كانوا يجولون ويصولون فى ساحات المعارك محققين النصر والمجد والتوسُّع والثراء لمصر؛ خصوصًا فى عصر الإمبراطورية المصرية الخالدة.
كانت مصر القديمة فى موعد مع القدر كى يمُن عليها بإنجاب أعظم الفراعنة المحاربين وأعظم ملك مصرى على الإطلاق، الملك تحتمس الثالث، فرعون المجد والانتصار وسيد الملوك المحاربين والعسكريين الاستراتيجيين، ومكمل الإمبراطورية المصرية فى العالم القديم متخذًا من جده الملك المؤسس تحتمس الأول قدوةً ومَثلًا أعلى.
كان أبوه هو الملك تحتمس الثانى الذى مات وترك الفرعون الذَّكر وولى العهد الأمير تحتمس وحيدًا تحت وصية عمته وزوجة أبيه الملك الشهيرة حتشبسوت التى داعبها سحر السُّلطة وأغوتها لذة الحُكم، فاغتصبت الحُكم من الملك الصغير، وأبعدته إلى رحابة الظل.
وظل تحتمس الثالث فى الظل فترة طويلة إلى أن تم غياب أو إقصاء الملكة حتشبسوت عن المشهد السياسى فى البلاد، وخرج الأسد من عرينه لتظهر لنا شخصية الملك تحتمس الثالث الأسطورية مسجلًا مجد وفخار مصر العسكرى المدوّن بأحرف من نور وإعزاز فى كل كليات وأكاديميات العالم العسكرية.
لقد تزوج تحتمس الثالث من أخته غير الشقيقة الأميرة نفرو رع، ابنة حتشبسوت وأبيه تحتمس الثانى، وماتت قبل العام الحادى عشر من حُكمه. وعندما تولى الحُكم، تزوج من حتشبسوت مريت رع التى صارت زوجته الأساسية والتى أنجبت له ولى عهده الملك أمنحتب الثانى. وبينما كان تحتمس الثالث فى الظل، استثمر وقته فى تعلُّم فنون القتال وأصول الحرب، ما جعل منه قائدًا عسكريًا فذًا قلما يتكرر أو يجود الزمان بمثله فى أرض المعارك.
وعلى انشغاله بالعسكرية، تزوج تحتمس الثالث من بعض الزوجات الأجنبيات من أميرات بلاد الشرق الأدنى القديم نتيجة حروبه وتوسعاته العسكرية. وكانت تلك الزيجات الهدف منها تدعيم سُلطان مصر فى البلاد الأجنبية، وكذلك تقوية تلك البلاد الأجنبية بقوة مصر التى كانت تقف كحائط صد فى مواجهة القوى المعادية التى كانت تهددها.
ورث الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث إمبراطورية كبيرة فى قمة المجد والثراء والقوة عن أجداده الملوك الفاتحين العظام، أمثال: أحمس الأول وتحتمس الأول وتحتمس الثالث وأمنحتب الثانى وتحتمس الرابع. وحَكم الملك أمنحتب الثالث (منذ نحو 1410 إلى 1372 قبل الميلاد) الدولة المصرية العريقة نحو ثمانية وثلاثين عامًا. وشهد عهده رخاءً وازدهارًا كبيرين ليس لهما مَثيل.
ولم تسجل السنوات العشر الأولى من حُكم الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث كثيرًا من الآثار المنتجة فى تلك الفترة؛ نظرًا لحداثة سن الملك. غير أنه بعد ذلك، نرى الملك يُشيِّد الكثير من الآثار الفريدة والمهمة الممتدة فى ربوع الأرض المصرية من الشمال إلى الجنوب بعد ذلك التاريخ.
ووُصف أمنحتب الثالث بـ«قرص الشمس المشع» وعُرف بلاطه بالعظمة وصار مضربًا للأمثال بالثراء المبهر. واختار رجال بلاطه وكبار رجال دولته من عائلات النبلاء القديمة تماشيًا من سياسته القائمة على اختيار أصحاب الدم الأزرق فقط لإدارة دولته الشاسعة.
وتُعد الملكة «تى» هى الزوجة الرئيسة للفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث. وقد تزوج منها فى العام الثانى من حُكمه. وكانت «تى» سليلة واحدة من إحدى عائلات نبلاء البلاط الأثرياء وتحديدًا من مدينة أخميم الواقعة حاليًا فى محافظة سوهاج فى صعيد مصر الجوانى. ولعبت «تى» دورًا كبيرًا فى حياة وفترة حُكم زوجها الملك الشمس وأنجبت له وريثه وولى عهده الفرعون الموحد والملك الفيلسوف أمنحتب الرابع/أخناتون (فيما بعد) وعددًا من الأبناء والبنات.
وفى الرسائل التى تخص المراسلات الدبلوماسية المتبادَلة بين الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث وحكام الشرق الأدنى القديم المعاصرين لملك مصر، يظهر مدى حسد حكام بابل وميتانى وغيرهما لثراء الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث؛ خصوصًا امتلاكه كميات كثيرة من الذهب الذى قال عنه أحد حكام الشرق الأدنى القديم «إن الذهب فى أرض مصر المباركة كثير مثل التراب»، طالبًا إرسال كمية منه له. ومن المعروف أن ذلك الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث تزوج عددًا غير قليل من الأميرات الأجنبيات.
استخدم الملك أمنحتب الثالث نفوذه الكبير كى يحضر كثيرًا من هؤلاء الأميرات من تلك البلدان لمصر كى يتزوجهن؛ إذ كان هذا الملك مولعًا بالنساء لأقصى درجة؛ فنراه يتفاوض على زواج أميرات من أرزاوا وسوريا وميتانى وخيتى (بلاد الأناضول حاليًا) وغيرها من بلاد الشرق الأدنى القديم التى كانت تخضع لسُلطانه الممتد أو من البلدان والدويلات التى كانت تربطه بها علاقات صداقة ودبلوماسية وتبادُل تجارى وثقافى.
اللافت أن زوجته الرئيسة الملكة الحكيمة «تى» لم تكن تعارض زواج الملك من هؤلاء الأميرات؛ لأنها تعلم أن زوجها لم يكن يسكن قلبه غير حبها، وكى توطد دعائم وعلاقات حُكم زوجها الملك المحبوب فى الشرق الأدنى القديم. ومن اللافت أيضًًا ذِكْر اسم الملكة «تى» فى تلك الرسائل وتودد حكام الشرق الأدنى القديم لها وطلب توسطها لدى زوجها الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث ومن بعده ولده الفرعون الموحد الملك أمنحتب الرابع/أخناتون.
عصر الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث وروائعه الفنية والمعمارية الفريدة والعديدة والمتنوعة الخاصة بالملك وأفراد عائلته وكبار رجال بلاطه وحاشيته كان بحق خير شاهد على الثراء والجمال والروعة ودقة الأداء وعظمة مصر فى العالمَين القديم والحديث على حد سواء. لقد كانت مصر القديمة محظوظة بوجود ملك مثل الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث بين ملوكها من البنائين العظام، وقد كان أيضًا الفرعون الشمس الملك الأشهَر أمنحتب الثالث محظوظًا بحُكم دولة عظيمة كمصر سيدة العالم القديم فى ذلك العصر: عصر الإمبراطورية، التى أعطت له شهرة لا يضاهيه فيها كثير من حكام مصر من الفراعين الخالدين على وجه الزمن المتغير دومًا.
رمسيس الثانى
رمسيس الثانى هو نجم الأرض وأشهَر ملوك الفراعنة، الذى ملأ الدنيا وشغل الناس جميعًا. اعتلى رمسيس الثانى العظيم عرش مصر وهو شاب صغير، ابن الخامسة والعشرين من عمره المديد، كى يُسطِّر أسطرًا من نور ومجدًا وعزة وفخارًا فى تاريخ مصر القديمة والشرق الأدنى القديم والعالم القديم، وكأن القدر كان على موعد مع مولد وتولى حُكم مصر لذلك الملك الأسطورى رمسيس الثانى ملك الملوك وسيد العالم القديم.
وصار هو رمسيس العظيم رُغم وجود عدد كبير من الملوك الفراعنة الذين حملوا اسم «رمسيس» من قبله، مثل جده رمسيس الأول فى أسرته الأسرة التاسعة عشرة، وخلفائه من رمسيس الثالث إلى رمسيس الحادى عشر فى الأسرة التالية، وأعنى الأسرة العشرين، وصار علمًا واسمًا على عصر كامل، وهو عصر الرعامسة، أى ملوك الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، عصر المجد فى مصر القديمة. فعندما نقول «رمسيس» دون تحديد ترتيبه فى الأسرتين أو فى العصر أو فى مصر القديمة عمومًا، فيعلم الجميع فى العالم كله، أننا نقصد دون شك نجم الأرض وملك الملوك رمسيس الثانى العظيم الخالد.
تزوج رمسيس الثانى عددًا كبيرًا جدًا من النساء، لعل أشهرهن هى الملكة الفاتنة وحلوة الحب جميلة الجميلات الملكة نفرتارى. وكذلك أنجب عددًا كبيرًا من البنين والبنات، لعل أشهرهم ابنه وولى عهده الملك مرنبتاح والأمير الزاهد الناسك الشهير خع إم واس والأميرة ثم الملكة ميريت آمون. ولم ينجب ملك مصرى قديم مثلما أنجب رمسيس الثانى العظيم من أبناء كثيرين.
حَكم مصر فترة طويلة تبلغ نحو سبعة وستين عامًا. وامتاز عهده بالعظمة والمجد والضخامة فى كل شىء؛ خصوصًا فى أعمال البناء والتشييد، التى امتدت فى أركان الكون الأربعة؛ خصوصًا فى أرض مصر الطيبة وبلاد النوبة وبلاد الشام وعلى ساحل البحر المتوسط. ولم يقم ملك مصرى قديم ببناء معابد وتماثيل ضخمة ومسلات مثلما بنى رمسيس الثانى العظيم. وكان زمنه بحق عصر رمسيس الثانى العظيم. وامتد به العمر طويلًا ومات فى سن متأخرة بعد العام التسعين من عمره المديد.
عندما مات تم دفن الفرعون المقدّس بكل جلال المَلكية المصرية المقدسة التى تليق بعظمة جلالة الملك رمسيس الثانى العظيم فى مقبرته رقم 7 فى منطقة وادى الملوك فى البر الغربى لمدينة الأقصر الشهيرة بصعيد مصر الخالد. ووَضع جلالة الملك رمسيس الثانى العظيم بصمته، التى لا يمكن محوها أبدًا، فى ذاكرة مصر والشرق الأدنى القديم والعالم القديم.