
هناء فتحى
ترامب وكلبه ومخابراته.. سينما أونطة
لا يملكون صورًا للموقعة وإلا لأظهروها للعالم.. وإلا لكنا رأينا منذ 7 سنوات صورًا لـ«بن لادن» قتيلًا..قالوا مات وأكله سمك البحر.
لا يملكون صورًا للموقعتين؛ فربما لم تقع الواقعة أو وقعت بصيغ أخرى وبرواية غير تلك التى حكاها لنا الراوى/ترامب مساء الثلاثاء الماضى عن مقتل أخطر رجل فى العالم.
اختفى البغدادى، نعم اختفى: مات أو انتحر أو قُتل أو لا يزال حيًا فى الحفظ والصون حبًا وكأنه ألفيس بريسلى مثلًا انتحر أو قُتل وكأنه مارلين مونرو وجيفرى أبيستاين قُتل كرؤساء منطقتنا، أو كأنه رئيسهم جون كيندى فالقاتل نفس القاتل ابن سينما هوليوود والمخابرات الأمريكية.
فلنهدأ إذن ولا نعطى فيلم البغدادى وترامب.. أو بن لادن وأوباما أكبر من إنتاجهما -الفيلمان بلا تصوير ولا مونتاج - وجماهيرهما من الدرجة الثالثة كشاهد مشافش حاجة.. ولننتظر فيلم الرئيس القادم فى العام القادم.
جلس ترامب فى البيت الأبيض ليقص ويروى ويحكى للعالم وقائع فيلم رعب لم يشاهده سواه.. حكى مشاهد مهمة عن الكلب وعن سروال البغدادى الوسخ وعن بكائه قبل الوفاة، قال البنتاجون إنه لا يعلم من أين جاء ترامب بتلك المعلومات فليست لديهم وقائع تخص بكاء البغدادى لحظة وفاته.. فكان أن أخرج هو ومخابراته فيلمًا كوميديًا شديد ثِقَل الدم.. فالكلب البوليسى الذى زعم ترامب ومخابراته بأنه شارك فى عملية الهجوم على البغدادى وأرشد إلى مكانه وقام بقتله.. الكلب الذى لم يفصح ترامب عن اسمه عملًا بسرية المعلومات.. الكلب الذى جُرِح أثناء عملية مقتل العميل بتاعهم قام ترامب بتوزيع صوره فى كل مكان.. وفى يوم الأربعاء الماضى منحه ترامب وسامًا وشَيَّر صوره وهو يضع وسامًا على رقبة الكلب..لكن صباح اليوم الثانى خرجت صحيفة النيويورك تايمز لتؤكد أن القصة كلها على بعضها فيك وأن صورة ترامب والكلب والوسام العسكرى ليست سوى صورة قص ولزق من احتفالية تمت عام 2017 منح فيها ترامب لبعض العسكريين أوسمةً.. ونشرت الصحيفة بالدليل صورتين متجاورتين يقف فى واحدة منهما ترامب مرتديًا بدلة سوداء وقميصًا أبيض ومغمضًا عينيه وممسكًا الميدالية بذات الأصابع بين الخنصر والواسطى.. والصورة الثانية كان ترامب يقف خلف الكلب ويلبسه الميدالية بذات البدلة والملامح واللبس والهيئة وعنونت الصحيفة تقريرها هكذا: (Trump Tweets Faked Photo of Hero Dog Getting a Medal)
ومازلنا فى مشهد «كلب ترامب» الكلب الذى تمت تحيته وتعظيمه واحترامه وربما تقديسه فى ذات الوقت الذى وصف فيه ترامب عملية موت البغدادى بأنه كلب وراح.
من الواضح وبشدة أن ترامب كان يقارن بين موت البغدادى فى نهاية عهده وبين موت بن لادن فى نهاية عهد أوباما، وكان يحسد أوباما ويغبطه بشدة لأن بن لادن وأنه يتميزان بوسامة وكاريزما بينما البغدادى حاجة كده شبه الكلب!!!
فيلم البغدادى حتى الآن كفيلم بن لادن بلا تصوير ربما لو أخرجوه كدراما إذاعية كان أفضل كثيرًا حتى تلك الصور التى قامت المخابرات الأمريكية ببثها مساء الأربعاء الماضى من الطائرة على مكان - أى مكان - وقالت: هو ده بيت البغدادى، ثم شاهدنا قنابل تسقط على مكان متسع وبه بشر يرتدون ملابس تشبه ملابس الأفغان والباكستانيين - الصور كانت بعيدة- ثم فجأة ودوت انفجارات شديدة العنف وعلا الغبار شاشة السينما وحلَّ الظلام.
فى الفيلم ذاته، اعترف ترامب بفضل الأكراد والكلب فلولاهما لما تمت العملية بنجاح،حيث إن جماعة من الكرد الموالين للمخابرات الأمريكية توصلوا لقطعة ملابس داخلية سفلى تخص البغدادى وكانت شديدة الاتساخ وبتحليل الحمض النووى قبل العملية تيقنوا أنه هو المطلوب.. يعني لولا الكلسون والكلب لفشل الفيلم الإذاعى.
ولسوف نسأل كثيرًا عن أسباب إنتاج أمريكا لهذا الفيلم؟؟ فـ«إبراهيم عواد إبراهيم البدرى» المُكَنّى بـ - أبو بكر البغدادى - بطل الفيلم الغائب والمختفى عن الصورة منذ سنواتٍ طوال -كان حضوره كغيابه.. عدمه كوجوده.. موته كحياته.. فالرجل الذى رصدت المخابرات الأمريكية من أجل من يدُلهم عليه مبلغ ٢٥مليون دولار لم يكن يساوى فلسًا واحدًا.. فدولته فى العراق وسوريا قد تآكلت تمامًا وسُحِبت منه وتحررت كلها.. وصار بلا جغرافيا ولا تاريخ سوى ماضٍ لم يعد يزعج أحدًا.. حتى إن كلبا هو من قام بالإدلاء عنه.
إنها أمريكا صانعة الكلاب.