الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الحب خلطة من العُقد الثقافية والجنسية

الحب خلطة من العُقد الثقافية والجنسية


إن القدرات النفسية، التى يفجرها الحب بين الرجل والمرأة،هى القدرات نفسها، التى تتمتع بها، المجتمعات الحرة الديمقراطية.
   فى الحب، يتعلم الإنسان الدرس الأول فى الديمقراطية، ألا وهو، كيف يتقبل ويحترم (الآخر)، الذى هو بالضرورة مختلف عنه. فى الحب يفاجأ الإنسان، أنه أصبح منشغلًا بكل ما يجعل (الآخر) المختلف عنه، ينمو، ويتطور، ويتفتح ويتألق ويتحرر. أليس فى هذا أجمل تدريب على الديمقراطية؟.
الحب لا يعترف بالفروق المصطنعة، بين البشر. الحب يذيب جميع الفروق، ويعبر كل الحواجز، ويحلّق بعيدًا فوق كل الاختلافات الطبقية العرقية، والدينية، والفكرية، والعمرية، والجغرافية، والعنصرية.
فالحب يمكن أن يجمع بين امرأة غنية، ورجل فقير. أو بين امرأة ذات ديانة معينة، ورجل من ديانة مختلفة. والحب يمكن أن يلم شمل الشامى على المغربى، كما يقولون. ويربط بين رجل له بشرة بيضاء، وامرأة ذات بشرة سوداء. وبين رجل فى العقد الثالث من العمر، وامرأة تعدت الخمسين، أو الستين. أهناك ديمقراطية أكثر، وأرقى، من هذه التى يجسدها الحب؟!!!
وإذا تأملنا الواقع، نجد أن الفشل فى علاقات الحب، هو غياب «التوجه الديمقراطى» للعواطف. فالرجل قد تكون لديه مشاعر خاصة للمرأة. لكنه عاجز عن رؤيتها، كشخصية مستقلة، لها طموحاتها، وكيانها، الخاص. والمرأة قد تكون صادقة، فى عواطفها تجاه الرجل. لكنها هى الأخرى عاجزة، عن رؤيته، فى إطار يتيح له التحقق، والنمو، والتحرر.
  إن هذا العجز النفسى، هو ميراث الأنظمة غير الديمقراطية، التى تنتج الحب المريض، المتسلط، الأنانى، وتخلق العواطف العنصرية، والأحاسيس الديكتاتورية.
إن الديمقراطية ليست المناقشات المطولة، تحت قبة البرلمان. ليست الانتخابات، والاستفتاءات، وتعدُّد الأحزاب. الديمقراطية عملية طويلة المدى، مستمرة، تستهدف إعادة تربية الوجدان، وتهذيب المشاعر والعواطف، لتكون متناغمة مع قيم الحرية والعدل والسلام والتعاون.
إن الحب الرومانسى، بين الرجل، والمرأة، لا يحدث، فى فراغ. لكنه يبدأ، ويستمر، فى نظام سياسى، معين، وفى مناخ ثقافى محدد.
كيف يمكن، فى ظل نظام سياسى، قائم على التفرقة الطبقية، والدينية، والجنسية، أن يخلق علاقات عاطفية، سوية متوازنة غير ذكورية، مراجعة: هشام
بين النساء والرجال؟؟.
إن القوانين التى تحكم، الشأن العام، هى التى تحكم الشأن الخاص. والقيم التى تسود فى البيوت، تتبع القيم التى تسود فى البرلمانات.
  إن مجتمعاتنا لا تعرف إلا الحب الذكورى، وهى بالضرورة مجتمعات تعادى، وتتهم، وتحرم، وتشوه، الحب بين الرجال، والنساء. وهى أيضًا مجتمعات تتسم بالكبت الفكرى والعاطفى. والنتيجة هى خلطة من المرض الوجدانى، والعُقد النفسية والجنسية، والتعاسة وخيبات الأمل وفشل الزيجات، وتعاسة البيوت، واكتئاب الزوجة والزوج، ومعايشة الأطفال لمناخ ضد الصحة النفسية، وضد التربية السليمة.
وهذا المجتمع، تربة خصبة، للعنف، واستقطاب جميع أشكال، ودرجات الفكر، المتعصب، المتطرف، الذكورى. فى مجتمعاتنا، حيث تضخم الذكورية، وحيث الرحلة إلى الحريات العامة والخاصة، تتعثر فى موروثات ثقافية واجتماعية، فات تاريخ صلاحيتها للجنس البشرى السوى. فإن الحب الحر السعيد، هو ظاهرة استثنائية.
إن الحب بين الرجال والنساء، بلغة السياسة، هو «الحزب الشعبى»، الذى يمكنه تعليم، وتربية، وترسيخ، «التفتح» تجاه الآخر، الذى هو جوهر الديمقراطية.
وليس المجتمع الديمقراطى الذى ننشده جميعا، إلا تحصيل حاصل، لمجتمع  حر. أو على الأقل، مجتمع يسير نحو الحرية، يكونه نساء، ورجال، أحرار، قادرون على فهم الحب السوى، وعلى إقامة أسرة تسعد الأطفال، والآباء، والأمهات.
وهذا أمر منطقى. فالإنسان العاجز، عن تقبل، الآخر الذى يقيم معه علاقة عاطفية حميمة، سيكون أكثر عجزًا عن تقبل الآخر الذى لا تربطه به علاقة خاصة أو حميمة.
 إن الحب السوى، ابن الحرية. ولذلك فإن الرجل المحب العاشق، أو المرأة المحبة العاشقة، هو المواطن، الأكثر تأهيلًا للمشاركة، فى خلق مجتمع حر.
فى الحب يكتشف الإنسان، إنه يحتاج قدرات عديدة للتعبير عن مشاعر الحب، والإفصاح عن احتياجاته العاطفية. وهذا غير ممكن، إلا فى ظل مجتمع حر، أو على الأقل، يسير إليها.
إن حرية التعبير عن الحب، جزء لا يتجزأ، من حريات التعبير العامة، فى الرأى، والفكر، والعقيدة.
 بهذا المعنى، يصبح الحب قضية سياسية، وقضية ثقافية من الدرجة الأولى. وليس مجرد مشاعر رومانسية، محصورة، بين رجل وامرأة، تُحلق فى الفضاء.
وهذا ما يجعل أدباء وشعراء، الحب الرومانسى، على مر التاريخ، بالضرورة، سياسيين وثوارًا، يتمردون، على كل أشكال القهر والتفرقة بين البشر.
  ليتنا عندما نحتفل بعيد الحب، كل عام فى 4 نوفمبر، أن نتذكر أن الحب فى مجتمعاتنا يحتاج فورًا، إلى الدخول فى غرفة «العناية المركزة»، ثم إلى الدخول فى «منتجع طب نفسى»، لكى يتخلص من أمراضه المزمنة الموروثة، وحتى يتعافى، ويتلقى العلاج المناسب المكثف، من جميع التخصصات.
 من واحة أشعارى
لا تلمنى
إن لم أرسل لك فى عيد الحب
باقة من الورود
فكل الورود التى تباع فى الأسواق
لا وردة واحدة تشبهك
لا وردة واحدة تستطيع حمل الأشواق