الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
لنصل إلى «الحقيقة» بعقولنا

لنصل إلى «الحقيقة» بعقولنا


أبدأ هذا المقال بالاعتذار إلى موسيقار متعدد المواهب، خفيف الظل، رشيق الألحان، دافئ الصوت، مبتكر، مبدع، رقيق، له جاذبية لا يمكن لإنسان عاقل أن يخطئها أو يتجاهلها أو يفلت من عناقها. وله حساسية مرهفة، قضت عليه مبكرا، فى أوج الشباب والازدهار.
إنه «محمد فوزى» الذى يوافق 20 أكتوبر هذا العام، ذكرى رحيله
فى عام 1966، عن 48 عاما أعتذر له، لأن هذا المقال لن يحتفى بذكراه، كما كنت قد خططت ورتبت.
وعدته فى المنام، أن أصحو من النوم، وأكتب كلمات من إلهام فنه الفريد، وألحانه التى تسرى كالماء الرائق، فأرتوى، وأبتهج، وأترحم على شبابه الذى فتك به المرض، دون رحمة، دون أدنى اعتبار لقامته المبدعة الشامخة.
وكأن الأقدار تشعر بالغيرة، والحقد، عندما تجود الحياة بالعظماء من المبدعات والمبدعين، فيكون انتقامها شرسا، غير منطقى، غير عادل إلى «محمد فوزى» شًحات الغرام، الذى دمره سرطان العِظام، أعتذر ألف مرة. وعدته فى المنام، أن أصحو من النوم، وعنه أكتب فى ذكراه، بينما أستمع إلى واحدة من أغنياته وألحانه، التى لا شبيه لها فى الموسيقى العربية، وهى «ليا عشم وياك يا جميل». أغنية تكفيه لأن يخلده الزمن.
أغفر لى أيها الموسيقار العبقرى، فأنا فى النهاية، عاشقة، ومُحبة، «لها عشم وياك يا جميل».             
صحوت من النوم، كأننى كنت فى صفوف داعش، أجاهد فى سبيل الله، وإحياء للخلافة الإسلامية المندثرة. صحوت من النوم، وجسدى يئن بأعراض فيروس غامض.. رأسى ممتلئ بأفكار تغير مجرى الدم، وتربك كيمياء المخ.
صحوت، مبعثرة الأحلام، مؤرقة الروح، شاردة العيون. حرارتى مرتفعة، لكن قلبى يرتعش.
أذهب إلى إعداد قهوة الصباح. لا أستطيع أخذ القرار.. هل أشرب القهوة المستوردة، سريعة الذوبان. أم أشرب القهوة المحلية، على نارهادئة؟ أريد قهوة خاصة، بها ميزة النوعين. تذوب سريعا، لكنها محوجة بالحبهان والمستكة. لكن هذه الرغبة المتواضعة، مع رغبات أخرى، أكثر تواضعا، «معطلة»،«محرمة»، محكوم عليها، مسبقا باثارة الشغب، وتكدير المزاج العام، والاعتداء على التقاليد والهوية والعادات أسدل الستائر. هذا الركن الهادئ، فى البيت، اخترته للكتابة، والتأمل أبدأ فى ارتشاف القهوة المحوجة.
أتصفح جرائد الصباح، غير مبالية حقا، بأخبار العالم. وهل هناك أخبار حولنا، إلا المزيد من الدم، والقتل، والذبح، والتفجيرات، والعدوان على البلاد، بدم بارد؟ لا أخبار إلا تشويه وجه الوطن، من هاربين لفظهم الوطن. يقولون «تغطية» الأحداث، والأخبار، مع أن المطلوب هو «تعرية» الأحداث والأخبار، لا تغطيتها. 
مثلما تُغطى النساء بالأكفان وهن أحياء، تغُطى الحقيقة بتحليلات ما يسمونهم،«خبراء». هناك خبراء للسياسة، خبراء للاقتصاد، خبراء للثقافة، خبراء الحب. خبراء للإعلام، خبراء للسعادة، وهناك خبراء أمن الوطن، وهوية الدولة. وخبراء الجنس المثالى. وخبراء الأمهات المثاليات. وخبراء الأديبات والكاتبات المثاليات. وهناك خبراء معدة الزوج. وخبراء الإيمان، والتدين، ومعنى الرجولة، والشرف والأنوثة. خبراء التنبؤ بمصير أردوغان بعد العدوان على تركيا، وخبراء للتنبؤ، بتقلبات البورصة، والمناخ، وهرمونات النساء، عند الحيض، وسن اليأس وهناك خبراء، العُمرة السياحى الفاخر. وخبراء الطفولة والتجميل لتغطية بصمات الزمن.
هناك «خبير»، ينتظرنا، أينما ذهبنا. بين ركن، وآخر، يوجد خبير. بين كل خبير، وخبير، يوجد خبير، يفرض وصايته وخدماته ومعلوماته، ويملك فك الشفرات، وحل الألغاز، وتفسير الأحلام، وأبطال الأعمال، ورد المطلقات، وجلب الرزق، وإعادة الحبيب، ودخول الجنة، ودخول البرلمان. الخبراء، يسمون الأشياء بغير مسمياتها الفعلية. ويوزعون على الناس، صكوك التأقلم، والتكيف، والتصالح، بعد أن قاموا بالنيابة عنهم فى إعمال عقولهم، بحرية، لفهم الحقيقة، وتحليلها.
ولكن أى حقيقة؟ وكل الحقائق، أصبحت وجهات نظر. الخيانة الزوجية، وجهة نظر. الفساد، وجهة نظر. خيانة الوطن، وجهة نظر. الجرائم الإلكترونية، وجهة نظر. الجرائم الورقية، وجهة نظر. سفك الدم، وجهة نظر. الانفجار السكانى، وجهة نظر. التصالح مع الأعداء، وجهة نظر. الاكتئاب وجه نظر. ارتفاع ميكرفونات الصلاة، وجهة نظر. تأليه الحُكام، وجهة نظر. الانتحار وجهة نظر.تحجيب الأطفال الإناث، وجهة نظر. الكذب، وجهة نظر. سجود المرأة، لزوجها، وجهة نظر. تسييس وعنصرية جائزة نوبل، وجهة نظر. والعدوان التركى على سوريا، وجهة نظر. 
من واحة أشعارى
لست ميسورة الحال
أنفق المال بلا حساب
لست ثرية بالمعنى المألوف
لكننى أمتلك رصيدا كبيرا
فى بنك « الكرامة»
و«تحويشة العمر»
كلمات وحروف