
د. مني حلمي
الصيف يطفئ سيجارته الأخيرة
السبت 14 سبتمبر، هو السبت الأخير فى صيف 2019، حيث يبدأ موسم الخريف السبت 21 سبتمبر، ويظل بصحبتنا حتى 21 ديسمبر موعد الشِتاء.
لا أصدق أن موسم الصيف، أخيرًا يرحل بحرارته المرتفعة، ورطوبته غير الإنسانية، وصخب زحامه المقتحم غرفة النوم، وصومعة التفكير والتأمل. أخيرًا، يغادر موسم العرق، والضيق، وضوضاء المراوح، وأجهزة التكييف، وزيادة معدلات الجريمة. كم كنت أتمنى أن نعبر الفصول والمواسم، دون «صيف»، دون «شمس» مصرة على أن تجعلنا، نلعن اليوم الذى وُلدنا فيه.
لكن دورة الكون، تفرض الصيف فرضًا، وإجبارًا، مثل فاتورة الكهرباء المرتفعة حرارتها هى الأخرى. ومثل أفكار الدم المفروضة علينا، فى كل مكان.
أخيرًا، يذهب الصيف من حيث جاء. أخيرًا، وقريبًا جدًا، نصل أو يصل إلينا، «الخريف»، أجمل الفصول، وأكثر المواسم موسيقية، وسحرًا، ودفعًا للكتابة، والشِعر، والحكمة، والعشق، والرقص.
لا أصدق أن احتلال الصيف، فعلًا يحزم حقائبه، المبعثرة فى ردهات الأمكنة، يلم فوضاه الحارقة، ويقرر أن «يعتقنا» لوجه الخريف.
يطفئ الصيف سيجارته الأخيرة، الطويلة، أكثر طولًا من أزمنة الفقر، والإرهاب، والقهر.
هناك كاتبة، تعيش على هذا الكوكب، بدأت إحدى رواياتها بجملة: أكره «الصيف»، لست أذكر اسمها الآن.
فى صيف 2019، ما كان أكثر آلامى، وأحزانى. أطمح إلى موسم خريف، ينتج دواء يواسى القلوب، وليس المزيد من أسلحة الخراب والتدمير، وشقاء البشر.
فى صيف 2019 أصبحت عضوة عاملة، نشطة مستقلة، فى نادى السأم العالمى. وتحولت من كاتبة، وشاعرة، وفيلسوفة، إلى مجرد إنسانة، امرأة، «بنى آدمة»، غير قانعة، غير راضية، تنكر إيجابيات الحياة، وتنسى النعم التى تحيطها من كل جانب.
فى صيف 2019، كان التحدى الأكبر، أن أرى البشر، دون أن أشعر بالضيق... أن أشاهد التليفزيون المصرى، ولا يقتلنى الملل، والغربة... أن أقرأ الجرائد العربية، ولا شىء يخاطب قلبى.. وأن أتابع سفك الدماء، على كوكب الأرض، وأظل مؤمنة، بالخير.
صيف 2019، كان حارًا بشكل غير مسبوق، وعلى مستوى العالم. والحر الشديد، «يعفرت» كيمياء المخ، و«يجنن»، و«يقتل» أجمل الأشياء، و«يخرب» أحلى الأوقات، و«يفسد» أروع العلاقات. ليس غريبًا إذن، أن يصبح العالم أكثر وحشية، وشراسة، وهمجية، وعنفًا، وصخبًا. تفاقمت عنصرية الأديان، وعنصرية الفلوس.. وعنصرية الجنس، وعنصرية الأمراض الذكورية. استفحلت عنصرية ذبح الغابات، والأشجار، والحنان، وكلمات الخير، والسلام.
فى صيف 2019، مات الكثير، فى مراكب الهجرة، غير الشرعية، خارج الوطن. مات أكثر، فى الإقامة بمراكب الزواج الشرعى، وعلى أبواب فتاوى غير شرعية متطرفة.
تعودت مع انتهاء الصيف، وبدايات الخريف، أن أعوض يأس الصيف، بأمنيات تجعل كوكب الأرض، مكانًا أكثر احتمالًا، للحالمين، والحالمات، للمتمردين، والمتمردات.
لكن وضع الثقة كلها، فى كوكب الأرض، شىء غير مضمون، ويتطلب أشياء صعبة، تقع خارج نفسى، أعجز عنها. أصبحت أكثر أؤمن، بـ «الخلاص» الفردى. وهو فى حد ذاته، «إنجاز» هائل، فى منتهى الحكمة، والواقعية. وطريقة فلسفية متفائلة، تؤمن، بأن «الذات»، هى كل شيء، وهى البدء، وهى المنتهى.
من واحة أشعارى :
أحببته
وكان حبه
أسرع قطار نحو الدمار
أحببته
وكان حبه
أرق بالليل وقلق بالنهار
منذ أول لقاء معه
أدركت أنه القدر والمصير
وأن وجوده معى ضرورة
مُسيرة ليس لى خيار
أحببته
أردت أن أعيش معه
وأنا التى تعشق الوحدة
يضفى على حياتى سحرًا
عن قلبى يبعد الغبار
أحببته
هو عابر سبيل
ضيف خفيف على مائدة الوجود
مطر مبكر فى الشتاء
وقصيدة منسية كتبها «نزار»