د. مني حلمي
البضاعة مشبوهة الصنع!
لا «عمار»، بينى، وبين هذا العصر السريع، اللاهث، الصاخب، الملوث بالدخان، والأتربة، وموت الضمير، واغتيال الأسئلة. عصر يتجرأ على نبذ النساء البدينات فى الإعلام، وكأنهن عرائس، ودمى، أو بنود للإغراء فى كتالوجات الأزياء، وعروض الزواج. والسبب هو أنهن يكلفن الدولة المزيد من الفلوس لإطعامهن، وعلاجهن من أمراض السمنة والبدانة. لكن لا أحد يدرس لماذا تصبح النساء بدينات، أو لماذا يسمحن لأجسامهن بالوزن الزائد.
عصر يقدر على كل شىء، إلا اكتشاف «تركيبة السعادة». عصر يحتكر تعاليم السماء تحت اسم «التخصص فى الفقه»، و«علماء الدين»، و«دارسى الحديث والسٌنة»، أو تحت أى اسم آخر.
عصر المتاجرين بالفقراء، والفن الفاسد، وأجساد النساء. عصر ينتج كل شى يخطر على البال، والخيال. لكنه يحظر إنتاج «الحرية»،مشيعا أنها بضاعة مشبوهة الصنع، مشكوك فى صلاحيتها للاستهلاك الآدمى.
بضاعة، ربما تقتلنا، لأن بها سموما، أو مبيدات مسرطنة، أو هرمونات تسبب العجز الجنسى للرجال، وتصيب النساء بأذى كبير، من «فيروس»، ليس له علاج، اسمه «فيروس التمرد».
لا «عمار» بينى وبين هذا العصر، بدايات الألفية الثالثة، «الديجيتال»، «الإلكترونى». عصر نجومية لاعبى الكورة بالمليارات من الدولارات، ومن المشجعات والمشجعين. عصر المستشفيات دون أساسيات الإسعاف الطبى، وأخطاء الأطباء المبررة، وعصر الفنون المصابة بهشاشة العظام، وعصر الصداقات التى تتبنى شعار «اخطف واجرى»، و«اللى متكسبش منه ميستاهلش صداقة».
أنا امرأة «دقة قديمة»، بكل المقاييس. وأهرب من كل الأشياء، التى تربطنى أكثر، بهذا العصر، وهذا العالم.
لا أستمع، إلا للأغنيات القديمة، والموسيقى القديمة. لا أشاهد، إلا الأفلام القديمة. أصحو، وأغفو، على سرير الذكريات القديمة. أحب أخلاق الفروسية القديمة . أحب الجبنة الرومى القديمة. أحب المدن ذات الحضارات القديمة، وعدالة الآلهة الأنثى القديمة.
قلبى، هو الموطن الأصلى، للرومانسية القديمة، ودفء اللحظات الحميمة. أداوى جسمى بالأعشاب الصينية القديمة، أرتب أفكارى على رائحة البخور الهندى، وأشفى روحى بحكمة مصر القديمة.
أعد قهوتى التركى، على النار الهادئة البطيئة، التى تشعلها السبرتاية القديمة. أنفر من القهوة الفورية، والإجابات الفورية، والمشاعر الفورية. أحزانى قديمة. أفراحى قديمة. أحلامى قديمة. غضبى قديم. وكذلك، ملابسى، وأقلامى، وأثاث بيتى، والحى الذى أسكن فيه، والعفاريت التى تسكننى.
ولكن، كم من الجرائم التى ترتكب باسم «أنا دقة قديمة». أخطر، وأول، مثال هو البيوت المغلقة، المقننة شرعا، وقانونا، وثقافة، وعرفا.
الزوج، ينصب نفسه إلهًا، فى البيت.. يشبع وعقد الطفولة، وخواءه الداخلى. يضرب زوجته، يتحكم فى رغباتها، ومصيرها، وجسدها، يتزوج عليها مثنى، وثلاث، تخلع له الحذاء، وتدلك قدميه كل مساء.. وحوله تلف وتدور . وإذا حاولنا انتقاده، يرد فورا، مداعبا، وفى فخر: معلش أصل انا راجل «دقة قديمة». والزوجة، المضروبة، المقهورة، الجارية، حينما نعاتبها، على خضوعها المستسلم، وطاعتها، ترد مثل زوجها، مداعبة، وفى فخر: معلش أصل أنا ست «دقة قديمة».
لكن «دقة قديمة»، كما أفهمها، هى فلسفة خاصة، للتشبث بجوهر الأشياء، وجمالها الداخلى، وأصالة مشاعر الإنسان، ونزوعها الفطرى، إلى الخير، والبساطة، والعدل، والحرية، وحكمة التواضع.
من واحة أشعارى:
يسألنى النادل الوسيم:
«مزيدا من القهوة؟»
قلت: «لو سمحت»
واصلت الكتابة:
أنا امرأة المطر والقهوة والضجر
أجلس وحيدة انتظر عدالة القدر
لا أريد العودة إلى البيت
أريد متعة التسكع ولذة السفر







