
هناء فتحى
«روبرت دى نيرو» و«هيو جرانت».. مِثالان
وأنت تراقب قوة مواقف فنانيهم تجاه قرارات سياسييهم المرتجلة ستدرك أن مصطلح: «الفن قوة ناعمة» لم يعد مناسبًا للمعنى.. للموقف.. لجوهر الحدث، وصار مجرد لعب عيال.. وعليك استبداله بمصطلح: «الفن قوة حاكمة».
بالتوازى ما بين موقف الممثل البريطانى الكبير «هيو جرانت» أمس الأول وموقف الآخر الأمريكى الكبير «ريتشارد جير» منذ أسبوعين مضيا حين اعترض الممثلان على قرارات اتخذها كل من رئيس الوزراء البريطانى والرئيس الأمريكى ستدرك أنهما لا يمثلان على الشعب بل يمثلان الشعب تمثيلًا سياسيًا وفنيًا وبجدارة.
بينما خرجت جموع المواطنين البريطانيين صباح الأربعاء الماضى حاملين تمثالًا لرئيس وزرائهم على شكل حفار قبور ووضعوه أمام أرض محفورة كقبور وحاملًا فأسًا يحفر بها أمام «يافطة» على حامل خشبى مُثَبْت فى الأرض ومكتوب عليها ارقدى فى سلام أيتها الديمقراطية، وذلك إثر القرار التاريخى المُربك غير الحكيم - من وجهة نظر الشعب البريطانى - بتعليق عمل البرلمان لمدة خمسة أسابيع كىّ لا يتسنى للأعضاء تمرير البريكسيت.. فى ذات التوقيت كانت ملكة بريطانيا تلتقى «بوريس جوهانسون» لتوافق على قراره.. فى ذات التوقيت خرجت عضوة حزب العمال «كيت أوزامور» تدعو المملكة المتحدة إلى طرد ملكة بريطانيا.. فى ذات التوقيت كان الممثل البريطانى هيو جرانت يتوت فى سب علنى وقذف واضح الكلمات فى حق رئيس وزرائه قائلًا له أنت تدمر مستقبل أطفالنا وتعبث بتاريخ بلادنا المجيد الذى أسس لقيمة الحريات ثم أضاف بإنجليزية واضحة بعض ألفاظ لا يمكن نقلها هنا وبعضها هكذا: Rubber Bath Toy.. ووجه كلامه لـ«بوريس جوهانسون» بأن قراره كان انقلابًا على البرلمان..وحصدت التويتة 57 ألف مشاركة و235 ألف إعجاب حتى صباح الخميس الماضى.
فى الحقيقة لقد لعب هيو جرانت دور رئيس وزراء ناجح ومحبوب شعبيًا فى فيلم سينمائى لطيف بعنوان: Love Actually
السؤال: ما الذى جعل رئيس الوزراء البريطانى يتخذ هذا القرار المجنون بموافقة الملكة بغلق البرلمان وتسريح النواب خمسة أسابيع؟
الإجابة: لأنه يخاف معارضة البرلمان له وللملكة...
فى موقفٍ شبيه كان ريتشارد جير- الذى يحتفل هذا اليوم بعيد مولده الـ 70 - لا يزال يلعب أدواره الاستثنائية خارج كل السياقات الدينية والفلسفية والفنية والسياسية والاجتماعية ليس فقط منذ معارضته تولى ترامب رئاسة أمريكا 2016.. بل وقبل ترامب وقبل ذلك بكثير.. وكان آخرها حين حمل متاعه وكلماته وذهب إلى عرض البحر حيث السفن الغارقة بالمهاجرين أمام شواطئ إيطاليا التى أغلقت أراضيها فى وجوههم.. فكان أن دارت هناك حرب كلمات ومواقف مشتعلةٌ نارها للآن بين وزير الداخلية الإيطالى «ماتيو سالفينى» وبين ريتشارد جير الذى وصف «ماتيو» بأنه ترامب الصغير وانتقد بعنف موقفه من منع 121 لاجئًا دخول إيطاليا فما كان من الآخر إلا أن قال له: خذهم إلى بيتك فى هوليوود.
ريتشارد جير الـ«بوزىّ» الديانة والمنتصر للإنسانية دون تحيُّز ولا انصياع لقوة غير قوة الرحمة والعدل والذى قام ببطولة فيلم يفضح اليهود فى أمريكا وفى فلسطين المحتلة بعنوان «نورمان» فيما وصف ترامب من قبل بأنه فاسد ماليًا وفارغ وكاذب ريتشارد جير الذى مُنِعَ مرة من الحصول على الأوسكار لأنه انتقد الصين فى أراضيهم عام 1993.
ريتشارد جير وهيو جرانت مثالان.. والأمثلة متعددة فى أربعة أرجاء الدنيا حين تسمح القوى السياسية للفنانين وللكتاب بلعب دورحقيقى فنى وسياسى وإنسانى ..كوسيط وناشط ووناصح ومحاسب وكجزء من معادلة محسوبة وذكية تضمن بقاءها وتضمن بقاء الشعب فى لعبة السياسة الملعونة.