
محمد جمال الدين
إياكم وغضبة الشارع
مثلما نؤكد بأننا جميعاً ندين العنف بكل أشكاله وألوانه فإننا نؤكد أيضا أن الشعب لن يغفر لتلك النخب السياسية باختلاف أطيافها عدم الوصول إلى نقطة اتفاق واضحة تصل بسفينة الوطن إلى بر الأمان، ذلك البر الذى يراه رجل الشارع بعيداً عن متناول يديه ولا يحقق له كل ما يصبو إليه من أمان واستقرار، فزهرة شباب مصر يستشهدون فى الميادين، والجوع والفقر يدق الأبواب بكل قوة، فى حين أن هناك نخباً سياسية تتصارع فيما بينها بداية من مؤسسة الرئاسة وحزب الحرية والعدالة وجماعته والتابعين لها من قوى تيار الإسلام السياسى وأخرى تعارض ما تفعله الأولى ولا ترى فيه شيئا إيجابيا واحداً، وصولا إلى شباب يقف فى الميادين تسانده أغلب الأسر المصرية لا ترى فى هذا أو ذاك أملاً لانتشالها من عثراتها، لهذا لم يكن غريبا أن يصرخ شباب الميادين بأنه يرفض الاثنين، بل ينادى بسقوطهما سوياً، لأنه فى حقيقة الأمر لم يشهد شيئا يشفع لهما بعد أن سرقت منهم ثورتهم من قِبَل هذه النخب.
المؤسف أن كل هذا يحدث أمام الرجل الذى سلمنا له مقاليد الأمور وتوسمنا فيه خيرا بأنه سيقف على مسافة واحدة بين جماعته وأهله وعشيرته وباقى القوى السياسية باعتباره رئيسا لكل المصريين بعد أن انحاز إلى عشيرته ولم نشهد على أرض الواقع أنه كان حكما بين مختلف القوى وسيستطيع بحكمته أولاً وبحكم القانون وصندوق الانتخاب أن يجمع بيننا كمصريين لنصل بمصر إلى بر الأمان.
بل إنه ساهم مع مستشاريه وعشيرته فى إصدار قرارات غير مدروسة بدقة فى زيادة حدة الاحتقان بين أبناء الشعب الواحد، كان آخرها قرار حظر التجوال الذى فُرِضَ فَرضا على مدن القناة الثلاثة «بورسعيد - السويس - الإسماعيلية» والذى تم تحديه بصورة واضحة من قِبَل أهل هذه المدن ولم يلتزم به أحد، فعادت مؤسسة الرئاسة وفوضت المحافظين فى اتخاذ ما تراه بشأن هذا القرار الذى ثبت بالدليل القاطع الذى لايقبل أى شك بأنه كان متسرعاً واتخذ فى ليل دون دراسة آثاره ونتائجه على أهل هذه المدن الذين كانوا ينتظرون تحقيقاً سريعاً لمعرفة مَنْ المتسبب فى استشهاد أولادهم بدلاً من حبسهم نهارا وليلا داخل منازلهم.
إن العنف الذى تتعرض له البلاد الآن معروف أسبابه، ومن يدعى غير ذلك غير أمين على وطنه، فمثلما سمحت الدولة بالعنف الذى جعله تيار الإسلام السياسى منهجا له أمام قصر الاتحادية للرد على المعارضين لهم، كان غريباً أن تقف ضده الدولة عندما استخدمته تيارات أخرى وتحت أى أسباب لأن النتيجة فى النهاية واحدة وتنحصر فى هدم أركان الدولة ونظامها وسيادة شريعة الغاب التى لاتعترف إلا بغلبة الأقوى.
وبحكم أننا لا نعى الدرس ولانتعلم من التاريخ فإن هذا العنف وفى ضوء تطور الأحداث قابل للزيادة والاشتعال فى أى لحظة، ولن تجدى معه الحوارات غير المجدية أو المسكنات أو حتى سقوط عدد آخر من شهداء الوطن لأننا لم نصل إلى أصل الداء الذى كان يجب أن يقف له القانون بالمرصاد وتطبيقه على الجميع «دون خيار أو فاقوس».
ورغم اضطراب المشهد السياسى واحتدام العنف فى جميع محافظات مصر، فإن مؤسسة التشريع فى الدولة المصرية التى يحيط بها العنف من كل اتجاهاتها «مجلس الشورى» لا تدخر جهدا فى الموافقة على حظر التجوال فى مدن القناة بمجرد أن قرر الرئيس ذلك، دون أن تأخذ وقتها فى دراسة القرار وآثاره المترتبة عليه باعتباره مؤسسة تضم الحكماء وخيرة علماء الوطن.
وحقيقة لم استغرب موافقة الشورى على قرار حظر التجوال لأن أعضاءه سمحوا لأنفسهم بأن يشرعوا لنا من خلف الأسوار الخرسانية التى تحميهم من غضبة الشعب وتحجب عنهم همومه ومشاكله فأصبحوا فى نظر هذا الشعب وكأنهم من بلد آخر غير مصر، كل دورهم ينحصر فى الموافقة على ما تريده مؤسسة الرئاسة، أو جماعة الإخوان وحزبها، مما يؤكد لنا أنهم لايمثلون سوى النسبة الضئيلة التى انتخبتهم لنيل عضوية هذا المجلس.
إن ما يحدث فى مصر الآن يبشر بغضبة كبيرة من الشارع الذى لا يعترف بهذه النخب أو بالمجلس التشريعى الحالى، هذه «الغضبة» لن يتحملها أحد، كما أن التاريخ لن يسامح أو يتغافل عن المتسبب فيها، لذا يجب أن يقف الجميع أمام مسئولياته للخروج بمصر من النفق المظلم الذى ينتظرها فى حالة استمرار هذا العنف والتهديد والوعيد والبحث عن المصالح الخاصة دون النظر لمصلحة الوطن.