الجمعة 20 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
خسارة المنتخب وانتصار أسمهان!

خسارة المنتخب وانتصار أسمهان!


أنسحب بهدوء من النقاشات حول هزيمة المنتخب الوطنى، فى كأس أفريقيا، وتبادل الاتهامات، والإدانات، والمطالبة بالتحقيق، لتحديد سبب الهزيمة، والغضب، وخيبة الأمل، وتراجع الحلم، وضياع ما أسموه «المصدر الوحيد لبهجة الشعب المصرى»، وهو كرة القدم.
لست بالطبع ضد أن يشعر الشعب المصرى، أو أى من شعوب الأرض، بالبهجة، ولست ضد رياضة كرة القدم، أو أى رياضة أخرى، فردية، أو جماعية، ولكن منْ قال إن المسابقات العالمية لكرة القدم، أو غيرها، هى «رياضة»؟، هى قبل أى شىء، مسابقات عالمية فى «البيزنس»، وآخر ما يهمه هو «الرياضة»، وتشجيع الروح الرياضية الرحبة، وتحقيق البهجة للشعوب، مثل أى «بيزنس» آخر، الهدف هو الفلوس، الخيالية السريعة، والتربح الاستثمارى لأنشطة، وجهات، وأفراد، وجماعات، وتجار، تغذى نوازع التفوق عند الناس، وتستغل الفراغ، والإحباط، وعدم تحقيق الذات، وغياب مصادر السعادة الإنسانية الأصيلة الحقيقية، وتلعب على ميول  العنصرية، والتعصب، الموروثة منذ آلاف السنوات، وهذا شىء طبيعى، فى ظل حضارة عالمية فشلت فى تلبية الاحتياجات المادية، والمعنوية، لسكان كوكب الأرض، حضارة فى عبادتها لرأس المال، متدينة، شرسة التدين، لا تطيق الشرك بالإله الواحد المعبود، الذى يبرر لها الحروب، وسفك الدماء، وإشعال الطائفية والمذهبية الدينية، وإنتاج الأسلحة، واحتلال أرض الغير، ونهب الموارد، واستعباد النساء.
«لا شىء يعلو على صوت الربح»، هذه هى الآية المقدسة الوحيدة، التى تؤمن بها، الحضارة العالمية السائدة، وتنفذها بكل دقة، وبراعة، ومهارة، ودهاء، وليس فيها أى استثناء، ولا يمكن للربح، أن يتسيد، دون تحويل كل شىء، إلى سلعة للاستهلاك،  كل ثانية، لابد ألا تمضى دون زيادة فى رأس المال،  كل الأشياء مرجعيتها «عمل فلوس»، بما فيها العلاقات الإنسانية، ما يطلق عليه اسم «المبادئ»، يصبح فى هذا المناخ، أضحوكة، تثير الشفقة، يعنى إيه مبادئ؟؟، يعنى إيه مبدأ؟؟، شىء مش مفهوم، الشىء الوحيد المفهوم، هو أن المبادئ «اللى مافيش فلوس من وراها»، يجب أن تدفن، وتحرق، مثلها مثل النفايات، وأن تلقى فى مقالب القمامة،  بل القمامة أفضل، لأنها «بيزنس» يجلب الفلوس.
المعركة الحالية الدائرة على مستوى العالم، هى بين هذه الحضارة «الفلوسية» الشرسة التى حولت كل حياتنا إلى سوق عالمية مفتوحة، للمضاربة، ونوع متنمر من المزاد، تباع فيه المبادئ الإنسانية، والمشاعر الإنسانية، والعلاقات الانسانية، لمنْ يدفع أكثر، وبين أصحاب الأفكار النبيلة، والمشاعر السامية، والعلاقات المضيئة، الصراع العالمى الآن، بين أصحاب «لا شىء يعلو على صوت ماكينات الفلوس والأسلحة وطلقات الرصاص»، وبين أصحاب «لا شىء يعلو على  حق الإنسان فى العدل والحرية والغناء ولماذا الغِناء؟؟، لأنه الشىء الوحيد، الذى يمكن أن نلجأ إليه، فى جميع الأوقات، حتى ونحن نحارب فى وسط المعارك الكبرى،  نعمة متاحة، دائمًا، عند الطلب، تغذى أرواحنا، وتبعث فينا الطاقات الإيجابية الغائبة، ترشدنا عن نواحى قوتنا، وتهون علينا الجزع، والهزائم، والانتكاسات، لم نقرأ فى كتب التاريخ، أن الشعوب تقدمت بمسابقات كرة القدم، لكنها تقدمت بالعلم، والفن، والأدب، والوعى، ولا أستطيع الكلام عن أهمية، ودور الغِناء، والموسيقى، فى حياة الشعوب، دون أن أتذكرها، أستعيد أغنياتها، «أسمهان»، التى يشهد 14 يوليو هذا العام، رحيلها الخامس والسبعين، «أسمهان»، أميرة الجبل، ولؤلؤة الشجن، لا يضاهيها أحد، حنجرة ممتلئة بتناقضات الحياة، تتدفق بمنتهى الرقة، والعذوبة، والعنفوان الذى يدرك مرارة مأساته، وحسرة فراق قبل الأوان، صوتها شفاء من الأوجاع، صفاء، ونقاء، ودواء لا تنتهى صلاحيته، يقهر الألم، والداء.
لكننى لا أسمع «أسمهان»، فى الإذاعة، ولا أسمع «أسمهان»، فى مهرجانات الموسيقى، ولا أسمع «أسمهان»، فى حفلات التكريم، فى ذكرى ميلادها، أو ذكرى رحيلها، لا أدرى أين ذهبت «أسمهان»؟. لا أدرى أين أخفوا «أسمهان»؟. لا أدرى كيف دفنوا «أسمهان»؟. منْ له المصلحة فى هذا التجاهل، والجحود، منذ 14 يوليو 1944، يوم موتها الفادح، المحير، الذى أحاطته الشائعات، والتكهنات المتضاربة ؟.
فى عام 1941، قدمت «أسمهان»، مع شقيقها «فريد»، موسيقار الأزمان، ولحن الخلود، أول فيلم لهما، وهو «انتصار الشباب»، والذى قام «فريد»، بتلحين كل أغنياته المبهرة، وأخرجه «أحمد بدرخان»، فيلم يرسخ لقيمة الانتصارات الحقيقية، للبطلين أسمهان، وفريد، المرتبطة بالموهبة الفنية المبدعة، والإيمان بالذات، والإصرار على العمل، وتحدى المعوقات، وعدم الاكتفاء بأحلام اليقظة، أو أحلام النوم. 
هل فينا منْ ينسى «هزيمة المنتخب»، ويتذكر «انتصار أسمهان»؟؟.
من واحة أشعارى:
تتساقط الثمار
فوق رأسى
لا أكتشف قانونًا آخر للجاذبية
ولا أتذوق عصارتها الشهية.