
د. مني حلمي
انتصار «إرادة الحياة»
ها هو شهر يونيو قد جاء فى موعده، ليذكرنا بأروع مراحل انتصارات الشعب المصرى. أيام معدودات، ونحتفل بيوم 30 يونيو، الذى وضع حدا فاصلا بين « امتلاك الوطن ، و« بيع الوطن».
كيف تمكن الشعب المصرى، أن يفتك بالوحوش المتنمرة التى تعاونت للقضاء عليه، وسرقته، وتضييع مكتسباته، وإنجازاته؟.
أعتقد أنها «إرادة الحياة»، الكامنة فى روح أى شعب، قرر ألا ينقرض، وألا يستسلم لمنطق البطش، والقرصنة السياسية.
إذا الشعب يوما أراد الحياة...
فلابد أن يستجيب القدر...
ولابد لليل أن ينجلى..
ولابد للقيد أن ينكسر...
ومنْ لم يعانقه شوق الحياة..
تبخر من جوها واندثر...
ومنْ يتهيب صعود الجبال...
يعش أبد الدهر بين الحُفر...
وقالت لى الأرض لما تساءلت ُ..
يا أم هل تكرهين البشر ؟...
«أبارك فى الناس أهل الطموح..
ومنْ يستلذ ركوب الخطر »....
هذه أبيات من القصيدة الشهيرة، «إرادة الحياة»، لشاعر الخضراء، شاعر تونس، أبى القاسم الشابى، 24 فبراير 1909 – 9 أكتوبر 1934، الذى رحل مبكرا، بسبب مرض غامض فى القلب.
لقد ألهمته «إرادة الحياة»، التى لا تُقهر، كلمات، فور أن نقرأها، أو نسمعها، نشعر بالقوة، والثقة، والتفاؤل.
كلما لمحت « فيروس اليأس»، قادما من بعيد، إلى حدود بيتى، مستكشفا طرقات جسدى، وأركان روحى، أسرعت بالتشبث بهذه القصيدة، الفريدة، فى قوتها، وفى معناها.
إن « فيروس اليأس»، الذى قد يفتك بالإنسان، يمزقه، يمرضه بأمراض غريبة، تستعصى على أبرع الأطباء، لن نجد له، إلا «إرادة الحياة»، مصلا رادعا، حاسما. وهذا ينطبق على الأفراد، والجماعات والشعوب.
كلنا على اختلاف درجة المناعة، التى تتمتع بها أجسامنا،
وتكمن فى خلايا روحنا، سوف « تضغف «، أو « تنهار»، أو «تضيع»، فى لحظة زمنية معينة. كلنا مهما عدد الانتصارات التى نتباهى بها، أمام أنفسنا، وأمام الآخرين، ستأتى لحظة، نعترف أننا « عُرضة « للهزيمة. وأننا فى حاجة شديدة، لا يمكن تأجيلها، أو التقليل من خطورتها، لحقنة عاجلة تدخل الدم. ولكن تعرضنا للهزيمة، ليس معناه الخضوع لها، أو التأقلم معها.
وليس مزحة، أو شيئا يُقال هكذا، اعتباطا، للضحك على المرضى، أو تسكينا لحظيا، لجبروت المرض. فالأطباء بعد أن يفعلوا كل معجزات الشفاء للمريض، يقولون: «لو عنده إرادة للحياة سوف ينجو.. لو عندها رغبة فى الحياة سوف تعيش».
وكم شهدنا كثيرًا، كيف أن ارادة الناس، فى ظروف قاهرة، ومع أمراض حيرت الطب، أن المريض قد «هزم» الأعراض، وانتصر على خلايا الألم السرطانية، بحب البقاء، والرغبة فى الاستمرار. أو كما قال أبو القاسم الشابى، فى قصيدته: « ومنْ لم يعانقه شوق الحياة.. تبخر فى جوها واندثر...». وهل شوق الحياة، إلا «إرادة الحياة» ذاتها؟.
من مقولات جبران خليل جبران، 6 يناير 1883 – 10 أبريل 1931: «من حقك أن تضعف.. من حقك أن تيأس.. من حقك أن تبتئس.. من حقك أن تبكى.. لكن إياك أن تستسلم ».
وهذا ما فعله الشعب المصرى، وما شعر به، حينما احتشد بالملايين فى يوينو 2013، مؤكدا قصيدة أبى القاسم الشابى.
أن غريزة البقاء، هى الغريزة الأم، التى تتفرع منها كل الغرائز الإيجابية. وهى أقوى الغرائز، وأثمن العواطف، التى تكمن داخل الإنسان. أن نيتشه 15 أكتوبر 1844 – 25 أغسطس 1900، وهو من أحد فلاسفتى المفضلين، قد تمحورت فلسفته، حول «إرادة القوة»، التى يجب أن يتسم بها البشر، وأن الضعفاء ليس لهم مكان فى هذه الحياة. فقط الإنسان، والشعب، الذى لا يقهره شئ، هوالمؤهل للاستمرار، والوصول إلى مرحلة أعلى من الارتقاء.
ومنْ يعرف، ربما تكون «إرادة القوة»، أو «إرادة الحياة»، هى الروح الإنسانية، التى يبحث عنها علماء الصين، الآن، داخل خلايا دماغ الإنسان، كما قرأنا حديثا.
و«إرادة القوة »، هى بالتأكيد، وراء بقاء مصر، أعرق الحضارات، حتى الآن، دون أن يصيبها الإنهاك بـ«فيروس اليأس». وهى السبب فى انتصار الشعب المصرى، على أعداء الخارج، وأعداء الداخل، وتجار الأديان، والمستثمرين فى بيع النساء، وبيع خيرات الوطن. الإرادة، التى نشم رائحتها، قادمة، من بعيد، كلما هلت أيام شهر يونيو.
علينا أن نتذكر «إرادة الحياة »، ونحن تحت أى ظروف، حرب، أو سلم. فهى ضرورة لخوض المعارك، وضرورة للبناء.
من بستان قصائدى
لا يقلقنى الفشل
إنه النجاح الزائف
أكثر ما أخشاه