
طارق الشناوي
باحثون عن الحقيقة أم مدمنو شهرة؟!
عامان مرا على ثورات الربيع العربى يواكبهما عامان من الشك والملاحقات الأمنية للعديد من الفضائيات العربية التى لعبت ولاشك دورا فى التمهيد والمؤازرة التى يراها البعض الآن تلفيقا ومؤامرة.
قبل ثورات الربيع كانت القنوات الفضائية أمامها خيار واحد هو أن تظل حبال الود ممدودة بينها والسلطة، بالتأكيد أغلب رجال الأعمال الذين سمح لهم النظام المصرى السابق بفضائية خاصة ارتبطوا بمصالح مع دائرة الحُكم وكان الهدف هو منحهم مساحة بعيداً عن الإعلام الرسمى المقيد على أن تظل مشروطة بأن تصب فى صالح بقاء السلطة، كانوا فقط يريدون منح الشعب فُرصة لتنفيس الغضب بعيدا عن رأس النظام وأتقنت أغلب الفضائيات الخاصة شروط اللعبة، أما مكاتب الفضائيات العربية التى تبث إرسالها من القاهرة فكثيراً ما تعرضت للإغلاق لو أنها تجاوزت المسموح.
مع بدايات الثورة رأينا هامشا يتسع من الحرية لم تستطع الأنظمة التى كانت تدافع عن بقائها أن تتصدى لها حتى الفضائيات الخاصة والتى كانت قبل 52 يناير تتلقى تعليمات مباشرة من وزير الإعلام أمسكت العصا من المنتصف عين الثورة التى كانت تتأجج وعين السلطة التى كانت تتهاوى، وبقيت خارج السرب القنوات العربية، وفى عز الثورة وضعت النظم أمامها هدفا أساسيا وهو إسقاط العديد منها مثل قناة الجزيرة.. لقد صَدر الإعلام الرسمى المصرى فى بداية الثورة أن ما يجرى مجرد محاولة من قناة الجزيرة القطرية لزعزعة الاستقرار فى مصر. وضعت الدولة يدها بقسوة لكى تخنق القناة ألغت ترددها على القمر الصناعى.. وفوجئ المسئولون بأن المعتصمين فى التحرير يضعون شاشات كبيرة فى الميدان ويضبطون التردد الجديد للقناة وصارت كل القنوات العربية مثل العربية والحرة والإم بى سى وغيرها تتعرض للكثير من المضايقات وصلت إلى إرسال البلطجية لاقتحام مكاتبها وتهديد مذيعيها.
بعد نجاح الثورة المصرية تفجرت الليبية ورأينا معمر القذافى يوجه للفضائيات أفظع الألفاظ وبالطبع فإن ليبيا تبدو بعيدة تماماً عن هذا الزخم الفضائى فلا توجد حرية تسمح لأى قناة بالتصوير سوى للتليفزيون الرسمى، ورغم ذلك فإن الموبايل صار هو السلاح الذى لم يستطع الطغاة السيطرة عليه وانطلقت تلك الصور إلى النت ومنها إلى الفضائيات وتكرر الأمر ولا يزال فى سوريا فلم يعد هناك ما يمكن أن نعتبره مستحيلا.
بعد إزاحة مبارك وجدنا قنوات عديدة صنفت باعتبارها من الفلول لأنها تنتقد وتسخر من الرئيس ورأينا على المقابل قنوات أخرى إخوانية وسلفية ترفع شعار «بالروح بالدم نفديك يامرسى»، وأصبح السؤال هل هذه الفضائيات حمل وديع أم أنها ذئب شرس؟
القنوات الفضائية كانت هى المتهم الأول فى إحداث البلبة فى الشارع أثناء الثورة ولا تزال، والثورة تحتفل بعيدها الثانى هى المتهمة بإثارة الفتن وترويج الشائعات، هل هم باحثون عن الحقيقة أم باحثون عن الشهرة؟!
يجب أن تعترف كل الأنظمة بأن الدنيا قبل الفضائيات لم تعد هى الدنيا بعدها ورغم ذلك فإن الثورات لم تشعلها تلك القنوات ولكن حركها الظلم الذى عاناه الشعوب، كانت الفضائيات شاهد عيان لكى يرى الناس الحقيقة ويشعروا أنه من الممكن للشعوب أن تدافع عن كرامتها وتنتزع حريتها، شاهد المصريون بن على يقول للشعب التونسى «الآن فهمتكم» ثم يسافر إلى السعودية فقرروا أن يتمسكوا برحيل حسنى مبارك ورددوا الشعار التونسى «الشعب يريد إسقاط الرئيس» الذى أصبح فى ليبيا «الشعب يريد إسقاط العقيد»، نجحت الثورات لأن الشعوب أرادت الحياة بينما الفضائيات التى كانت متهمة من السلطات التى أطيح بها بإشعال الثورة صارت الآن المتهم رقم واحد من قبل السلطات المنتخبة بإجهاض الثورة!!