الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
أنور وجدى... أمير الانتقام وأمير السينما

أنور وجدى... أمير الانتقام وأمير السينما


أذكر ما قاله «نجيب الريحانى»، عندما سألوه، لماذا يشتغل فى الأفلام السينمائية، مع أنه يفضل المسرح. فكان رده: «أنا باعشق المسرح.. هو حياتى، لكن مافيش تسجيل للمسرحيات دلوقتى.. لما أموت، مين هيتعرف على نجيب الريحانى.. السينما هتخلينى عايش فى قلوب الناس والأجيال اللى هتيجى فى المستقبل».
منذ أيام، مرت ذكرى رحيل، فنان سينمائى مبدع، قلما يجود به الزمن. لم يتذكره أحد. رحل وهو بعيد عن مصر، فى 14 مايو 1955، وكان يوافق 23 رمضان 1376.
انشغلنا بالسحور، والصيام، والمسلسلات، وبرامج الترفيه، وأفلام لا تعد أفلامًا، وفنانين ليسوا فنانين، وأخبار القتل، ومباريات الدورى الإنجليزى، والحذاء الذهبى لمحمد صلاح، وكراتين وشنط رمضان.
 أكتب عن فنان مات، وهو لم يكمل عامه الثانى والخمسين، كان يسكن فى غرفة فوق السطوح، لقلة الفلوس، ولزيادة الموهبة النارية، الباحثة عمنْ يفهم، ويقدر، ويعطى الفرصة للشرارة الأولى.
أو ربما أراد السكن فوق السطوح، لأنه أراد مكانًا قريبًا من السماء، لتأكده أنه سيصبح نجمًا من نجومها.
أكتب عن «أنور وجدى»، النجم الاستثنائى متعدد المواهب، متعدد القدرات، متعدد الإبداعات. وليس لنا أن نندهش من هذا التعدد ،
الذى كان مقدرًا عليه. فقد قضى عليه الداء الموروث فى العائلة، «الكلية متعددة الأكياس».
الكتابة عن «أنور وجدى»، صعبة. لأنه فنان صعب. كان «التوليفة»، التى تحتاجها السينما المصرية فى أربعينيات القرن الماضى. وهى الموهبة، الجسارة، خفة الدم، الابتكار، التجديد، الوسامة، المغامرة، المعافرة، فورة الشباب، الدأب، الذكاء، الثقافة، الطموح غير المحدود، الكاريزما الطاغية.
من كومبارس صامت، على خشبة المسرح، وأدوار صغيرة على شاشة السينما، إلى البطولة المطلقة، والنجومية التى لا ينافسه فيها أحد، والتى تدهش زملاءه، وجمهوره الذى تقبله، وصفق له، وتوجه بلقب «الفتى الأول»، «الشرير خفيف الظل»، «الشاب المستهتر الطيب».
مع «ليلى مراد»، صنع الثنائى الجميل، الذى أنتج لنا مجموعة من الأفلام الغنائية الاستعراضية الفاخرة، وسلسلة الأفلام الممتعة، التى حملت اسم «ليلى».
 والموهبة الفذة للطفلة «فيروز»، هل كان بالامكان أن تجد فرصتها النادرة فى الإنتاج الثرى، إلا مع فنان له شخصية، «أنور وجدى»، له حس فنى أصيل، وحدس إبداعى يستشرف ما تحتاجه السينما من تجديد، وما تحتاجه الوجوه الجديدة، من دعم،  وتشجيع، وإيمان؟. وكان حريصًا على تخصيص مساحة من أفلامه، لإسماعيل يس، وشكوكو، بعد أن لمس موهبتهما الفريدة، واستحسان الناس، لهما فى الكوميديا، والمونولوج.
رغم عمره القصير، إلا أن « أنور وجدى»، ترك لنا، ما يقرب من سبعين فيلمًا، ما بين التمثيل، والتأليف، والإخراج، والإنتاج. وكلها تتناول مشكلات اجتماعية، وقضايا ثقافية، نشهدها حتى اليوم. فيلم واحد منها، بعشرات، ومئات الأفلام التى مرت بعده، وليست إلا خسارة فى الذوق، وخسارة فى الفلوس، وخسارة فى الوقت.
يدهشنا التنوع فى أدواره، وتلك الطاقة العجيبة المحيرة، التى تنطلق من أدائه. فهو راض عن كل شخصية، تمامًا، يتقمصها بالكامل. لكنه متمرد عليها فى اللحظة نفسها. هذا التناقض المتفرد، الساحر، هو أحد أسرار «أنور وجدى»، الذى تتوجه أميرًا، يجلس على عرش السينما المصرية، بلا منافس، أو شبيه.
وهذا التناقض المتفرد الساحر، وصل إلى ذروته، فى فيلم  «أمير الانتقام» عام 1950. فهو الأمير الثرى الكريم العاشق،  وأيضًا المنتقم الجبار، الذى يخطط لإبادة منْ أودعوه السجن ظلمًا.
 ولا أعتقد أن هناك منْ يستطيع تأدية دور «حسن الهلالى»، بالجدارة، والحلاوة، والتمكن، والإقناع، مثل الأمير «أنور وجدى»، الذى احتل الفيلم التاسع، لقائمة أفضل 100 فيلم مصرى من 1896 حتى 1996. ولا ننسى أفلامه الأخرى، التى دخلت هذه القائمة، مثل غزل البنات، ريا وسكينة، والعزيمة، وغرام وانتقام، الوحش. وهذه قائمة لها احترامها، وإن كنت أرى أن هناك أفلامًا فى السينما المصرية، تستحق الدخول فى هذه القائمة. أو ربما تعد قائمة بأفضل 500 فيلم، وليس فقط مائة.
 فى فيلم «غزل البنات» 1949، لم يكن باستطاعة أى فنان آخر إلا «أنور وجدى»، أن يجمع كل نجوم السينما حينذاك، فى فيلم من تأليف السيناريو، وبطولته، وإخراجه، وإنتاجه، نجيب الريحانى، الذى كتب الحوار مع بديع خيرى، ليلى مراد، يوسف وهبى، عبد الوارث عسر، فردوس محمد، محمود المليجى، استيفان روستى، فريد شوقى، سليمان نجيب، وعبدالوهاب.
 «أنور وجدى»، فنان صعب. ولذلك فأنا أحس بصعوبة بالغة، فى اختيار كلماتى عنه. عزائى، أنها مجرد باقة من الورود، أضعها على قبره، الذى أحس بعظمة طاقاته المبدعة، فتعجل الاستئثار به.
 من واحة أشعارى
 منذ أزمنة بعيدة
 ملايين الناس
 فى المدى والقرى والنجوع
 يصومون ولا يفطرون
إلا على المزيد من العطش
 إلا على المزيد من الجوع.