الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الرشاقة فى حضارة تفرط فى التهام الإنسانية

الرشاقة فى حضارة تفرط فى التهام الإنسانية


أصبح التخلص من السمنة، وتحديد السعرات الحرارية التى تدخل أجسامنا، وتتفق مع متطلبات الرشاقة، حديث عدد كبير من البرامج الإعلامية.
برامج إعلامية مكثفة، مقررة يوميا، تقدم للشعب المصرى، المواعظ، والأوامر، والنواهى، تخص ما يدخل رئتيه، وما يدخل مزاجه، وما يدخل معدته.
وأنا لست ضد الرشاقة، والحفاظ على جسد صحى، نشيط، يساعد الناس على المزيد من الاستمتاع بالحياة. لكننى ضد تناول أى مشكلة، أو ظاهرة، دون أبعادها المتكاملة، ودون تحديد ما هو رئيسى، وما هو فرعى.. بين ما هو السبب، وما هو النتيجة.
فى هذه البرامج، يتم إظهار الناس، على أنهم ليسوا فقط مخطئين فى حق أنفسهم. ولكنهم أيضا يضرون مجتمعهم. فالشعب المريض، لن يكون أداة إنتاجية مثلى.
فى هذه البرامج، تغيب مسئولية المجتمع، عن أمراض الشعب، أو لجوئه إلى عادات غذائية مضرة. كل البرامج الإعلامية، تتكلم عن أمراض الناس واضطرابات الأفراد، وأنماط الحياة غير المتزنة للرجال والنساء. ولا نجد برنامجا واحدا، يتكلم عن أمراض المجتمع.
لا يوجد برنامج واحد، يناقش الأضرار الصحية، والاضطرابات النفسية، والعصبية، والجسمانية، الناتجة عن الضوضاء، وتلوث الهواء بالعادم، وتلوث الخضروات والفاكهة، بالمبيدات بجرعات زائدة، وتلوث الشوارع والحوارى، بالقمامة والفضلات والنفايات.
نحذر الناس من الإفراط فى الأكل، وننسى أن الذين يفرطون فى الأكل، نسبة ضئيلة، حيث ما يزيد على 40 %، من الشعب المصرى، تحت خط الفقر. كيف إذن يفرطون فى الأكل، وهم أصلا، لا يتحصلون إلا على الفتات، اللازم فقط للبقاء على قيد الحياة؟.
أما الأغنياء الذين لديهم طعام وفير، ويقدرون على الإفراط فى الأكل، فهم إما مرضى بداء عضوى، يجعلهم يأكلون أكثر من احتياج الجسد. أو يعانون من أمراض نفسية، مثل الاكتئاب. أو يشعرون بالإحباط، والملل، وانعدام الهدف، وخيبة الأمل، والندم على قرارات، وسلوكيات، فات أوان تصحيحها.
إن المرأة مثلا، التى يفرض عليها أدوار حددتها الثقافة الذكورية، لا تسعدها، لن تنفعها طرق التخسيس. المشكلة ليست فى الأكل. ولكن مع منْ تأكل هذه المرأة؟. وفى أى إطار؟. ولماذا تأكل؟. وما الثمن الذى تدفعه لتأكل؟.
والرجل مثلا، الذى يشعر بالتعاسة، وخيبة الأمل، بعد زواجه بامرأة، كان يظنها جنة الله على الأرض، سوف يفرط فى الأكل، تعبيرا عن هذه الحالة، وتنفيسا عن عجزه فى إنهاء هذا الزواج.
إن الإنسان الذى يعيش حياة ضد إنسانيته، وضد كرامته، وضد تحققه، يستحيل أن يكون سليم العقل، أو رشيق الجسم. ولن تنفعه أدوية العالم، ونصائح الأطباء.
ننام، ونصحو، على أخبار الإرهاب، والحروب، والمجاعات، والجرائم البشعة من أجل الفلوس، أو الانتقام، أو الشرف، أو الثأر.
نعيش مع زعيق الميكروفونات، ونشم عوادم السيارات، ونفايات الثقافة، واعلانات المنتجعات الفاخرة. نتعرض يوميا للكذب، والخيانة.
نعاصر عدم العدالة، والفساد الذى يتحايل على القانون، والازدواجية الأخلاقية التى ترسخها العادات والتقاليد البالية، والتعصب العنصرى، والدينى، الذى أصبح متأصلا فى الوجدان، والفن المتدنى، وكل ما يشغل بالنا، الرشاقة، وعدم الإفراط فى الأكل.
هل يمكن أن نعيش وسط كل هذه الأمراض، ولا نمرض؟. هل يمكن أن نتواجد على كوكب محترق، دون أن تمسنا النار؟.
السلاح أهم من الإنسان. والمال أهم من الإنسان. السُلطة أهم من الإنسان. أهذا عالم، نستطيع فيه أن نتمتع رشاقة الجسد؟. وأى رشاقة تلك التى نلهث وراءها، ونضيع من أجلها فلوسنا، ووقتنا؟. وما هو معناها، والغاية منها، فى عالم كهذا؟.
 من المستحيل، أن نكون أسوياء، على كوكب مريض. والرشاقة وهم، وسط قيم مترهلة مصابة بالتخمة. من الصعب جدا، أن نشعر بالسعادة فى عالم يعيش على جثث الفقراء، والمهمشين، والنساء، والضعفاء، والنازحين من أوطانهم. وأن نكون عقلاء، فى حضارة مختلة، شيء غير ممكن. كيف ننجو، ونحن على سفينة غارقة؟.
 >من واحة أشعارى
نعتقد أن لا أحد قبلنا
أمتعه مذاق القهوة
وأسعده الحب والرقص تحت المطر
نعتقد أننا أول منْ اختبر الحياة
وعاش أفراحها وأحزانها
نعتقد أننا أول منْ كتب الأشعار
وتأمل فى دهشة وانبهار
تعاقب الليل والنهار
نعتقد أننا أول منْ فقد الأحباب
بداء مفاجئ أو حادث مخيف
أو بفيروس فتاك قهار
نعتقد أننا أول الحكمة وآخر الحماقات
وأننا امتلكنا كنوز الأرض
وأسرار السماوات
نعتقد أننا رغم ملوحتنا وجفافنا
 أصل الماء ومنبع الأنهار