الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
عندما تصبح «السعادة» عبادة!

عندما تصبح «السعادة» عبادة!


يهدر البشر الكثير من الوقت، والجهد، والطاقة، والعداء لبعضهم البعض، سواء كانوا من الدين نفسه، أو على دين آخر، من الطائفة ذاتها، أو من طائفة أخرى، وهم «يحاولون» بالكلام، والجدل، ليل نهار، إثبات أنهم هم «المتدينون» الأواحد، وأن دينهم، وعقيدتهم، وطائفتهم، ومذهبهم، وملتهم هى «الأفضل»، هى «الأمثل»، هى «الأكمل».
ودعونا نعطى أمثلة من بلادنا، التى يتضح فيها بشدة، مثل هذا الجدل، والكلام.
فى مجتمعنا، ينشغل الفكر الإسلامى السائد حاليا، ويؤرق وجدان المسلمات، والمسلمين، ومعهم الإعلام الذى لا يقل انشغالا، وأرقًا، بالتساؤل عن «هل النساء أصبحن مغطيات بالحجاب والنقاب؟.. هل ينتظم المسلمات والمسلمين متى استطاعوا سبيلا فى الحج، والعُمرة؟.. هل نحرم ونجرم الإفطار جهرًا فى رمضان؟.. هل النساء المتزوجات يعملن بشرع الله ويسجدن لأزواجهن متفانيات فى الطاعة العمياء؟... هل نجرجر إلى المحاكم بقضايا عاجلة، وبلاغات مستغيثة منْ يقول رأيه فى الدين الذى وُلد، ويؤمن به؟.. هل نستمر فى الإنجاب طفل كل عشرين ثانية، حتى تقوى عزة الإسلام، وعزوتهم، ومهابتهم؟... هل تقطيع جسد الأطفال الإناث يضمن العفة الدينية، والفضيلة الإسلامية؟.. هل اصطحاب الأطفال الذكور للصلاة فى الجامع والمسجد، دلالة على أسرة مسلمة بحق، وحماية للطفل من الرذائل عندما يكبر؟.. هل الدبلة الفضية أكثر إسلامًا؟.. هل قراءة القرآن فى الأماكن العامة واجبة، مستحسنة، تصرف النظر عن خطاء واردة؟.. هل ترك العمل وإغلاق المحال وقت الصلاة، من شيم التدين؟.. هل تزويج الطفلة حلال أم حرام؟.. هل الأغانى والأفلام والمسرحيات، كفر ورجس من عمل الشيطان؟؟.. هل نهدم التماثيل والأهرامات، لأنها وثنية من التاريخ القديم ؟.. هل تكشيرة، وتجهم رجال الدين، يرسل أفضل الرسالة الدينية؟... هل نذهب إلى الطب البشرى، أم إلى الطب النبوى؟.. هل إرضاع الكبير، ونكاح الزوجة الميتة لتوديعها، من الدين، أم لا؟... وما حكم تهنئة الأقباط بأعياد الميلاد، وترميم كنائسهم، إقامة كنائس جديدة؟.
هل يستطيع أحد أن ينكر، أن المجتمع المصرى، منذ أكثر من أربعين عامًا، قد تم «الزج» به، فى هذه التساؤلات، والأفكار، والمفاهيم، التى تستبيح بساطة الغالبية، وتستغل حساسية الدين، وتلعب على أزمات الناس، لإقامة دولة السلف، دولة الحاكم بأمر الله، دولة الخلافة التى لا تغيب عنها، شمس الإسلام؟. وفى الوقت نفسه، يتم إلهاء العقل المصرى، فى متاهات، وخلافات، تضعفه، تفتت  وحدته، وتزعزع تماسكه، وتبقيه خارج التاريخ.
هل ننكر أن مثل هذه الأفكار، قد تمكنت من قطاعات لا بأس بها، من المجتمع المصرى، ورأينا نتائجها، وإرهابها، وإعلامها؟.
 هل نتجاهل الوقت والجهد والطاقة، التى أهدرناها فى مثل هذه الأشياء؟ والتى كان من الأحق، أن تذهب إلى التنمية الحقيقية، تنصف الفقراء، وتحدد فوارق تراعى بين منْ يملك، وبين منْ لا يملك، والنهوض بالفن، وأنسنة النظرة إلى المرأة بإقرار قانون مدنى موحد، وتنظيف البيئة، وحماية النيل، وحظر الضوضاء، ودعم حرية الإبداع».
لا أتصور ونحن فى الألفية الثالثة، حيث الصين مثلا، التى لا دين لها، وفى عُرف أنصار الدول الدينية، دولة «كافرة»، وشعبها الذى يساوى 2 مليار، سيذهب كله إلى النار، تعلن أنها بقدوم عام 2019، ستكون قد قضت على الفقر تمامًا. بينما فى بلادنا، نرى ونسمع كيف يهدر الوقت والجهد، كل يوم، على شاشات الفضائيات، وصفحات الكتب الدينية المنتشرة، فى الزعيق البذئ، وألفاظ فاقدة الحياء، واتهامات بالكفر، كلها باسم «الدين»، و«التدين» دون أى نقاش، وجدل، وخناقات، وتكفير، واتهامات، أعتقد أن أقصى غاية من الأديان جميعها، سماوية، أو أرضية، أو أفكار وضعية، واكتشافات علمية، وفنون وأداب، هى «إسعاد» أنفسنا.
 ضاعت كلمة «السعادة»، بين كلمات الازدراء، والتكفير،  والإنكار، والضغائن.
 اختفت «السعادة، تحت أغطية الحجاب والنقاب، والعباءات،  والاسدالات، واللحى، والذقون، والجلالايب.
نسينا «السعادة»، فى غمرة الطقوس، والعبادات، مع أن الغرض من الطقوس، والعبادات، هى التمهيد للدخول فى مدينة «السعادة».
 الملايين فى العالم، من كل الأديان، حريصون بشدة، على ألا يفوتهم «فرض» الهى، أو «سُنة»، بينما هم فى غاية «التعاسة»، حياتهم مقهورة، مصيرهم ليس فى أيديهم، محرومون من متعة تذوق الفنون، أيامهم خوف فى خوف، أهذا ما تريد الأديان، بطقوسها، وعباداتها؟. بالطبع لا.
 إن الإنسان السعيد، سعادة جوهرية، حقيقية، لا يمارس التعصب،  ولا يكره الناس على أفكاره، ولا يؤذى الناس فى مشاعرهم، وهو الوحيد القادر على السلوكيات الفاضلة الأصيلة، ولا يتهمهم فى شرفهم، وديانتهم، وعفتهم، ولا يستبيح خصوصيات الآخرين تحت أى مسمى،  ولا يقتل، ولا يرهب، ولا يكذب، ولا يتآمر، ولا يتناقض، ولا يخون،  ولا يغدر.
 «السعادة..... هى أقصى عباد»... هذا إيمانى، أكثر ما يُرضى الله، هو أن نسعد، وإذا استطعنا، إسعاد غيرنا.
 من واحة أشعارى:
   لا يهمنى أن يصيبنى
 تصلب الشرايين
طالما أننى محصنة ضد تصلب المشاعر
لست قلقة أن يهاجمنى
تجلط الدم
الأهم أن مناعتى قوية
تصد تجلط الأفكار
وماذا يعنى انحناء الظهر
وعمرى كله عشته
لا يعرف انحناء الرأس