الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
توت عنخ آمون والفكر السلفى للتنمية

توت عنخ آمون والفكر السلفى للتنمية


‎ قال الخبير السياحى فى نهاية البرنامج التليفزيونى: «السياحة هى مستقبل الوطن».. «السياحة هى طوق النجاة لمصر». وهذا ‎منطق لا أوافق عليه.
‎ نحن نتكلم عن بناء الإنسان المصرى، باعتباره ضرورة لإحداث نقلة نوعية، ‎فى العقل، والمفاهيم، والسلوك، وتغييرًا حقيقيّا يأخذنا إلى دولة مدنية حديثة  ‎ناهضة.
‎ إن حال الإنسان المصرى، والإنسانة المصرية، رُغْمَ قيام ثورتين أوضحتا ‎المعدن الحُرَّ الثمين للشعب المصرى، لا يَسُرُّ أحدًا، ولا يعكس طموحاتنا، ولا  ‎يدل على أن مؤسسات الدولة، تأخذ قضية «بناء الإنسان»، كقضية محورية، ‎وأساسية. بل إنها أكثر من ذلك. قضية «بناء الإنسان المصرى والإنسانة  ‎المصرية»، قضية حياة، أو موت. قضية وجود، أو لا وجود. قضية بقاء ‎مشرف، أصيل، على الخريطة الإنسانية. بقاء يُلهم الآخرين، ويعطيهم نموذجًا ‎واقعيّا غير مستحيل، أن القيامة ممكنة بعد الوقوع.. وأن النهضة ممكنة بعد ‎الركود... وأن الورود، والسنابل، والأزهار، تطلع أحيانًا من أرض وعِرّة.
من هنا أناقش قضية فى صلب بناء الإنسان المصرى. وهى أننا نهتم  ‎بالآثار التى صنعها الإنسان المصرى القديم، أكثر من اهتمامنا بالإنسان المصرى ‎فى الحاضر.
إن اهتمامنا بالآثار كثمرة من ثمار حضارتنا المصرية القديمة، يفوق اهتمامنا ‎بالإنسان صانع الحضارة فى الأساس.
غالبية الناس، لا يرون الحضارة، إلا تلك الآثار العابرة حدود الزمان.
‎هم بذلك «يسجنون» الحضارة، فى قالب من «الحَجَر»، أحادى الرؤية، ‎جامد.
‎ أنا أعتقد، أن الآثار، بكل تفردها، وعظمتها، هى صدى الصوت، وليس ‎الصوت نفسه.
‎ أو هى مجرد الإصبع، الذى يشير إلى القمر. لكنها ليست القمر.
‎أو بمعنى آخر، الآثار، هى الجانب «الساكن»، من الحضارة. أمّا ‎الجانب «المتحرك»، فهو عقل، وقلب، الإنسان الحى، «هنا والآن»، القادر على إحداث التغيير، والإبداع. إن حضارتنا، ليست «تِركة»، جامدة، من  ‎التماثيل، والمومياوات، والتوابيت، والمعابد، والأهرامات.
لماذا ننحاز إلى حضارة «الحجر»، لا حضارة «البشر». أو لنقُل إن ‎هناك اتجاهًا «سلفيّا»، فى الفكر الاقتصادى، كما هو موجود فى الفكر الدينى.
‎ ننشغل، بحماية، أنف أبو الهول، أكثر من حماية الإنسان الحى ‎الآن من الفقر والمرض، والجهل. هل من العدل، إنفاق مبالغ طائلة على  ‎البحث عن قطعة أثرية مغمورة؟ ولا ننفق شيئًا يُذكر عن البحث عن المواهب ‎المغمورة ؟.
‎ننفق على «ترميم» الآثار. ولا ننفق على «ترميم» البيوت، التى
‎تتصدع وتقع على سُكانها الآمنين. نهبُّ سريعًا لسرقة عين «توت عنخ أمون».
‎بينما لا نفعل شيئًا، حين تُسرق، كرامة الإنسان.
‎ يقف الناس، يتأملون فى انبهار أحد التماثيل، الموجودة منذ خمسة آلاف ‎سنة، ولا ينبهرون بكفاح إنسان مصرى، يناطح الأقدار، ويتحدى أصعب المعوقات، لمجرد الحفاظ على بقائه.
‎ أنا أعترض على مقولة «السياحة هى مستقبل مصر»، يرددها كثيرون، باعتبار أن مصر تمتلك وحدها ثلث آثار العالم.
عفوًا أيتها التماثيل والمومياوات، والتوابيت، والمحنطات، لستِ مستقبل ‎الوطن. يا كل آثارنا الجميلة، والعظيمة. إن مستقبل مصر، فى تنمية حقيقية، وثورة ثقافية، فى «الإنتاج».. فى الزراعة وفى الصناعة، وفى تخضير الصحراء، وفى الطاقة المتجددة، وفى الفن الراقى، وفى تثوير الفكر الدينى،
‎وفى تحرير النساء من المعتقلات الذكورية.
إذا كان بناء الأهرامات، عجيبة من عجائب الدنيا، ولغزًا لم يُفسَّر، فإن ‎«بناء الإنسان المصرى»، هو العجيبة الجديدة، التى يمكن أن يفعلها الشعب ‎المصرى، بينما تحاصره عوامل التعرية القاسية، وظروف مناخية غير قابلة للتنبؤ.
‎ الاقتصاد المصرى المنتَج الذى يوفر احتياجات الأغلبية.. التصدير إلى الخارج... العقل المصرى.... الوجدان المصرى... الإرادة المصرية.. الإبداع المصرى.. رجُل حُرّ مصرى.. امرأة حُرّة مصرية.. قوانين مدنية موحدة للأحوال الشخصية.. استكمال الحرب الفكرية والعسكرية على الإرهاب فى كل أشكاله..
‎.. المواطنة الكاملة الشاملة للجميع دون استثناءات.. إعمال الدستور المدنى فى كل بنوده.. لا دين فى السياسة.. لا سياسة فى الدين.. تحديد الإنجاب فى الأسرة المصرية... إعلام نظيف اللغة نظيف القضايا... قيم أخلاقية تُطبَّق على الجميع.. ‎أحكام قضائية عاجلة ناجزة... علاقات سياسية متكافئة مع جميع الدول.. هذه ‎بعض أساسيات نهضة الوطن، وطوق النجاة لمصر.
‎ من واحة أشعارى:
كنت أعيش بنصف عقل
رحلت
اكتمل القمر
والجنون