الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الشهوات فى عين المتفرج !

الشهوات فى عين المتفرج !


أغار من الراقصات المتفردات المبدعات، اللائى أثبتن التفوق، والنبوغ، فى الرقص الشرقى، وأتساءل: كيف وصلن إلى هذه الرشاقة، والخفة، واللياقة الجسدية، التى تسحر العقول، وتستأثر بالقلوب؟!
وأنا أنتمى إلى  زمن الأفلام، الأبيض، والأسود، حيث كان الفن معشوقًا لذاته، وليس للشهرة، والنجومية، وأرصدة البنوك.
بديعة مصابنى.. هاجر حمدى .. ببا عز الدين.. تحية كاريوكا.. كيتى.. زينات علوى.. سامية جمال.. نعيمة عاكف.. أغار منهن، وأحسدهن على الموهبة المتدفقة، والكاريزما الطاغية.
‎بفضل هؤلاء قامت وانتعشت السينما الغنائية الاستعراضية فى مصر . كل واحدة من هؤلاء الراقصات الفاتنات، صنعت لنفسها أسلوبًا خاصًا بها، فى الحركات، وبدل الرقص التى تظهر بها، وكيفية التواصل مع الجمهور.
وكم يؤسفنى، ويؤلمنى، أن مهرجانات الفنون، والسينما، وجوائز‎ التكريم، تنسى تمامًا، الرقص الشرقى . هناك جوائز للإخراج، والتمثيل، ‎والموسيقى، والمونتاج، والديكور، والإنتاج، لكننا لا نجد جائزة واحدة، ‎مثلا باسم «تحية كاريوكا»، أو « سامية جمال» . ولا نجد جائزة واحدة ‎لأفضل استعراض راقص، أو أفضل راقصة. ولا أعرف سبب هذا التجاهل، ‎والإهمال الجسيم.
أعتقد أن السبب، هو التناقضات الأخلاقية التى تعتبر أن «الرقص ‎الشرقى»، فن فاضح، لا يقارن بفن التمثيل مثلا.. وأن كلمة « مثلة» ‎مستساغة أخلاقيًا، عن كلمة «رقاصة»، وهذا أمر معيب، وغريب، ولابد من إصلاحه فورًا.
‎فى أفلامنا العربية، يحدث دائمًا هذا الحوار: ‎الأب فى غضب واستنكار: «رقاصة .. إنت اتجننت؟ ... إنت عايز ‎تفضحنا؟؟ رقاصة؟ ابن شوكت بيه يتجوز رقاصة فى كباريه؟ ‎الأم فى استهجان وسخرية: « يادى الجُرسة اللى جاتلنا على آخر ‎الزمن.. أنا علوية هانم حفيدة المستشار شكرى النقراشى.. ابنى ‎يتجوز رقاصة.. انت لازم جرى فى مخك حاجة.. ».
‎هذا المشهد، المتكرر، فى تاريخ السينما العربية، منذ بدأت، ‎وحتى الآن، يفضح تناقضاتنا الأخلاقية، والثقافية، والحضارية.
نحن نزعم، طوال الوقت، أننا نحب الفن.. وأن الفن هو ما صنع ريادتنا الثقافية، وتفردنا الحضارى، وأنه القوة الناعمة، ‎التى هى بضاعتنا الرائجة، وصناعتنا المتميزة، ويأتى ازدراؤنا ‎للرقص الشرقى، أحد الفنون، يكشف الكذب، والتناقض، ‎فى رؤيتنا للفن، ومعناه، ورسالته. والنظرة المتدنية، المهينة، ‎للرقص الشرقى، توضح مدى خضوعنا، للثقافة الذكورية، ‎التى لا ترى فى جسد الراقصة، إلا لعبة مدنسة، تثير شهوات ‎الرجال، وتحرض على الفساد، والانحلال الأخلاقى. مع أن الشهوات والانحلال، والفساد، دائما هى، فى «عين » المتفرج، وليس فى جسد الراقصة، ‎التى تزاول إحدى المهمات الفنية الإبداعية، مثلها مثل الغناء، أو التمثيل، ‎أو كتابة الشِعر، أو العزف على إحدى الآلات الموسيقية.
إذن، الحل، هو إعادة تأديب، وتهذيب، عيون وشهوات الرجال، ‎الذين «يبحلقون»، فى جسد المرأة الراقصة، «بحلقة شهوانية»، ‎غير فنية، لا تعيب الراقصة.
‎هناك رجال « متحضرون» فى منتهى الأدب، والتهذيب، والثقافة، يستمتعون بالرقص الشرقى، استمتاعًا، فنيًا، راقيًا، متأملًا تناغم حركة الجسد، ‎مع إيقاعات الموسيقى . مثلما يستمتعون بندوة فكرية، أو أمسية شِعرية.
‎إدانتنا للرقص الشرقى، من أسس الثقافة الذكورية، المتحفزة، ‎لإدانة المرأة «الضحية».  وليس إدانة الرجل «الجانى» خاصة، اذا كان جسد المرأة «متورطًا».
وإذا افترضنا، أن بعض الراقصات، يقمن بحركات خليعة. فليس من المنطق، ومن العدل، ازدراء الرقص، كله، كمهنة تنتمى إلى الفنون الرفيعة.
‎فى كل المهن، يوجد الفاسد مثلا، وجود طبيبات فاسدات، لا يقودنا ‎إلى ازدراء مهنة الطب، ووجود إعلاميين يرسخون التخلف الثقافى، والأخلاقى، ‎لا يستهدفون إلا الإثارة، والمزايدة على الأخلاق، لا يجعلنا نشتم الإعلام.
النهضة الثقافية، حينما يزهو رجل مصرى، على الملء، أن زوجته، أو أخته، أو ابنته، تعمل «راقصة».
إن الإنسان الأول، قبل أن يخترع اللغة، قبل أن يغنى، قبل أن يكتب، كان يرقص. الرقص هو أول فن، مارسه البشر . وربما، تفرغت منه، بقية الفنون، والأنشطة.
والرقص، هو الفن الوحيد، الذى يكون الجسد، والعقل، والوجدان، والعاطفة، فى وحدة حميمية، متناغمة، ثرية الأبعاد، ممتلئة بالرموز والإيحاءات. الرقص، أكثر الفنون حرية، وانطلاقًا، وتأثيرًا، بسبب هذه الوحدة المنسجمة.وأعتقد أن منْ يرقص، يستطيع أن يفعل كل شىء، ويستعصى على الخضوع، والقولبة، والتنميط. أهذا يخافون الرقص، ويشوهون صاحبه؟
قال موليير 15 يناير 1622 – 17 فبراير 1673، وكان متعدد المواهب، يكتب الشعر، والروايات، ويؤلف المسرحيات ويمثلها أيضًا : « نحن نقول عن الإنسان الذى أخطأ أنه أخذ الخطوة الخاطئة .. وهل الخطوة الخاطئة إلا العجز عن الرقص»؟
من واحة أشعارى
لماذا أشعر
أن كل يوم يمضى  
يفقدنى شيئًا غامضًا حميمًا
لا أهتدى إليه
ولا  أستطيع إرجاعه؟