الجمعة 11 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ألغاز موت ملوك الفراعنة!

ألغاز موت ملوك الفراعنة!


يحفل عالم الملوك فى مصر القديمة بالأسرار والألغاز، ويكتنف الكثير من أوجه الغموض حياة الفراعنة، غير أن أشد الأمور إثارة فيما يخص الملوك الفراعنة هى كيف كانت نهاياتهم وإلى أى مصير آلت حياتهم الثرية المليئة بالثراء والسلطة والشهرة والمتعة، وهناك الكثير من الأساطير التى ارتبطت بنهاية بعض الملوك والملكات ما تزال تخلب خيالنا وتسحر عقولنا.
تمدنا دراسة مومياوات الملوك الفراعنة بالكثير من المعلومات وتصحح لنا الكثير من الأخطاء التى شاعت عن أولئك الملوك العظام ورغم تعدد القصص حول موت كثير من الفراعنة، فإن الرواية الحقيقية تبقى رهينة عمليات البحث والتدقيق.
نهاية حتشبسوت الحزينة!
تعتبر الملكة حتشبسوت من أشهر وأقوى ملكات الفراعنة. وكانت حياة هذه الملكة الشهيرة مثيرة. وكان موتها وسر اختفائها من مسرح الأحداث أكثر إثارة.
وبدأت ملكة مصر الجديدة بناء مقبرة لها فى منطقة بعيدة فى غرب مدينة الأقصر الحالية. ثم تركتها إلى مقبرة جديدة تحمل رقم 20 فى منطقة وادى الملوك الخاص بدفن الملوك.
وأنجبت حتشبسوت من زوجها تحتمس الثانى ابنة وحيدة هى الأميرة نفرو رع، دون وريث ذكر، ومات تحتمس الثانى بعد فترة حكم قصيرة ـ حوالى 13 عامًا ـ وذهب الحكم إلى ولده تحتمس الثالث، الذى كان ابنًا له من إيزيس، إحدى نسائه من الحريم الملكى.
ونظرًا لأن تحتمس الثالث كان طفلاً، وكانت أمه إيزيس غير مؤهلة للوصاية عليه لأنها ليست من الدم الملكى، قامت الملكة الطموحة والقوية حتشبسوت بالوصاية على ابن زوجها لفترة ما، ثم داعبها طموحها وبريق السلطة وروعة العرش وإغراء الحكم، فتصرفت كأنها ملك ذكر، وتم ذكرها فى النصوص وتصويرها فى المناظر فى هيئة الملوك من الرجال.
ولم تنس حتشبسوت ابن زوجها تحتمس الثالث، واعتبرته شريكًا لها فى الحكم. وقامت بتأريخ الأحداث بسنوات حكمهما معًا بداية من العام الأول لتولى تحتمس الثالث العرش، غير أنها كانت هى فقط الملك المسيطر على الحكم. وفى نهاية حياتها، حصل تحتمس الثالث على مكانة مساوية لها.
وتعد نهاية حكم حتشبسوت من الأمور الغامضة فى تاريخ تلك الملكة الظاهرة. ولفترة قريبة لم نكن نعرف كيف انتهت حياتها، ولماذا تم محو صورها وأسمائها من على آثارها حتى جاءت الأبحاث العلمية الحديثة التى قام بها الدكتور زاهى حواس وفريق المشروع المصرى لدراسة المومياوات الملكية.
ومن خلال دراسة ضرس وُجد داخل صندوق أحشاء الملكة فى خبيئة المومياوات فى الدير البحرى،وكل أسنان المومياوات وفحصها بالأشعة، اتضح أن هذا الضرس كان يخص المومياء الموجودة فى المقبرة رقم 60، وأن كهنة الأسرتين الحادية والعشرين والثانية والعشرين قاموا بنقل محتويات مقبرة الملكة حتشبسوت رقم 20 إلى المقبرة رقم 60 الخاصة بمرضعة حتشبسوت.
وأثبتت الأشعة المقطعية أن الملكة حتشبسوت ماتت فى سن 55 عامًا، وأنها كانت ممتلئة الجسم، وأنها كانت تعانى من مرض السكر، وماتت بسبب السرطان.
وهكذا فإن تحتمس الثالث لم يقتل عمته وزوجة أبيه حتشبسوت. وربما تم التدمير الذى حدث لآثار هذه الملكة فى آخر عهد ابن زوجها تحتمس الثالث وأول عهد ابنه أمنحتب الثانى،لأسباب تتعلق بنظرة الشعب المصرى القديم لتولى امرأة حكم مصر.
لغز اختفاء مومياء نفرتيتى!
تعتبر جميلة الجميلات، الملكة، «نفرتيتى»، أكثر الملكات المصريات شهرة فى العالم كله، وهى الزوجة الكبرى للملك إخناتون، وهى سيدة عصر العمارنة بلا منافس، ورحبت نفرتيتى بالدعوة الدينية الجديدة وصارت من أقوى المناصرين لإخناتون ودعوته، ولعبت نفرتيتى دورًا مهمًا فى دعم زوجها.
وعندما تزور متحف برلين، فأنت فى حضرة نفرتيتى وتمثالها الأشهر، وتم تخصيص قاعة واحدة لعرضه، وهو مصنوع من الحجر الجيرى الملون بالحجم الطبيعى، وترتدى الملكة تاجها الأزرق المميز المقطوع من القمة الذى تعلوه حية الكوبرا، ووُجد فى أتيليه الفنان تحتمس فى العمارنة.
واعتقد البعض أن نفرتيتى قد تكون شاركت أخناتون فى الحكم، وأنها اختفت فى حوالى العام 12 من حكمه، غير أن الاكتشافات الحديثة أكدت أنها ذُكرت على بعض آثار زوجها بعد العام 12، وأن زوجها حكم منفردًا، وربما حكمت نفرتيتى، بعد وفاة إخناتون، قبل توت عنخ آمون. واعتقد بعض العلماء أن نفرتيتى كانت من أصل أجنبى، ابنة الملك متيانى،غير أن معظم العلماء يؤكدون أنها مصرية.
وقامت نفرتيتى بتغيير اسمها عدة مرات، وكتبت اسمها مثل الملوك داخل خرطوشين موازيين بعضهما البعض، وكانت هناك رسالة بعثتها ملكة مصرية إلى ملك الحيثيين تطلب منه أن يرسل لها أحدًا من أبنائه كى تتزوجه، واعتقد بعض العلماء أن نفرتيتى قد تكون هى من أرسلت هذه الرسالة، ولكن البعض الآخر يعتقد أن من أرسلت هذه الرسالة هى عنخ إس إن آمون أرملة توت عنخ آمون.
وهناك أسئلة كثيرة حولها ما تزال دون إجابة مثل تاريخ وفاتها ومكان موميائها، وظهرت نظريتان حديثتان بخصوص مومياء نفرتيتى،النظرية الأولى هى العثور على مومياء الملكة فى المقبرة رقم 63 فى وادى الملوك، والثانية هى ما أعلنته الإنجليزية جوان فليتشر نفرتيتى من أن مومياء السيدة الشابة فى المقبرة 35 فى وادى الملوك هى مومياء نفرتيتى.
وأعطى المجلس الأعلى للآثار إذنًا لجامعة يورك للقيام بالأشعة السينية على مومياوات النساء فى الغرفة الجانبية بجوار غرفة دفن المومياء فى المقبرة رقم 35 فى وادى الملوك. وكانت مومياء السيدة الشابة فى حالة سيئة، وكانت ذراعها اليمنى ممزقة بالكامل، وتوفيت صاحبة هذه المومياء فى عمر ما بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين عامًا، وثبت أنه ليس هناك سبب مقنع بأن مومياء السيدة الشابة لنفرتيتى،ثم اتضح بعد ذلك كذب هذا الادعاء، وتم رفض النظرية الثانية وهى أن مومياء الشابة لنفرتيتى.
وتم اكتشاف أم المومياء السيدة الشابة، وهى ابنة الملك أمنحتب الثالث والملكة تي، وفى هذه الحالة لا يمكن أن تكون هذه المومياء لنفرتيتى؛ لأن نفرتيتى ليست ابنة أمنحتب الثالث وتى.
وقام الفريق المصرى لدراسة المومياوات الملكية برئاسة الدكتور زاهى حواس بالبحث عن مومياء الملكة نفرتيتى،ودراسة المومياوين الموجودتين داخل المقبرة رقم 21 بوادى الملوك، وهى المومياوات التى قام بدراستها وترميمها دونالد راين، وهى مومياء بدون رأس وأخرى بالرأس؟ وقام فريق الدكتور حواس عن طريق دراسة الحامض النووى بعمل مقارنات مع الأجنة التى عُثر عليها داخل مقبرة توت عنخ آمون، واتضح للفريق المصرى وجود صلة بينها مما يشير إلى أن المومياء بدون الرأس تخص الملكة عنخ إس إن آمون زوجة توت عنخ آمون.
ويعتقد الدكتور حواس أن المومياء الأخرى قد تخص الملكة نفرتيتي؛ نظرًا لأن الكهنة فى عصر الأسرتين الواحدة والعشرين والثانية والعشرين كانوا يضعون المومياوات العائلية بجوار بعضها البعض.
وإلى الآن لم يتم العثور على مومياء الملكة نفرتيتى،وسوف تظل الملكة نفرتيتى تثير الدهشة والاهتمام والأسئلة والغموض من حولها رغم مرور السنين.
سر وفاة توت عنخ آمون!
يعتبر الفرعون الذهبى الملك توت عنخ آمون أشهر ملوك الفراعنة فى العالم كله، ومنذ اكتشاف مقبرته على يد هيوارد كارتر عام 1922، انتشر الولع بالملك وآثاره فى جميع أنحاء العالم، ومن الأشياء المثيرة فى حياة الملك توت سر وفاته.
وعثر كارتر على دليل يؤكد أن مومياء توت عنخ آمون لم تكن محفوظة جيدًا، وفحص العلماء مومياء الملك، وأثبتوا أن طول توت عنخ آمون كان 170 سم وأن جمجمته تشبه جمجمة والده أخناتون.
وفحص الإنجليزى هاريسون المومياء واكتشف أن بعض أجزاء جسم الملك تمزقت، وأن توت عنخ آمون فقد واحدًا من أصابع الإبهام، وأكد أن عمر الملك عند الموت كان ما بين 18 إلى 20 عامًا، وأكد أنه يوجد تشابه بين جمجمة توت عنخ آمون وجمجمة مومياء المقبرة 55 فى وادى الملوك.
وأعتقد البعض أن الملك تلقى ضربة قاتلة على رأسه. وجاء الأمريكى جيمس هاريس إلى مصر لعمل أشعة إضافية على رأس الملك، واعتقد أن الملك مات ما بين عمر 23 و27 عامًا.
ورفض علماء المصريات وفاة الملك فى هذه السن! وتبين أن الملك توفى وعمره 19 عامًا، وكان بصحة جيدة، ولم يكن يوجد أى دليل على وجود ضربة على الرأس، وما حدث فى رأسه كان لوضع مواد التحنيط من خلال الجمجمة.
ولم يظهر أى دليل على أن الملك تلقى أية إصابة فى صدره، ورغم كل هذه الأضرار التى لحقت بالرأس والصدر اللذين تم تشريحهما، كشفت الأشعة عن إصابة محتملة تعرض لها الملك قبل وفاته بفترة طويلة، فعظمة الفخذ الأيسر فى الجزء السفلى للملك تم كسرها، ويمكن أن يكون عظم الفخذ كُسر أثناء التحنيط، وهناك احتمالية أن هذا حدث وهو على قيد الحياة قبل وفاته ببضعة أيام، ولكن أثبت أطباء الأشعة أن الكسر الذى يوجد فى الرجل اليسرى ناتج عن حادث وقع قبل وفاة توت عنخ آمون ببضع ساعات، ولكنها لم تكن السبب فى موته.
ويؤكد الدكتور زاهى حواس من خلال دراسته لمومياء الفرعون الذهبى،أن أشعة المسح الضوئى والاختبارات الحديثة كشفت أن العمود الفقرى لتوت عنخ آمون كان منحنيًا قليلاً، وأن قدمه اليمنى كانت مقوسة قليلاً، وكانت قدمه اليسرى مشوهة تمامًا، ولم يُقتل الملك. ومن خلال فحص المومياء، لا توجد أية علامة عن أى إصابة تلقاها الملك خلال حياته فى الرأس أو الصدر. وكان لدى الملك العديد من الاضطرابات فى قدمه، وربما تكون الحادثة هى سقوطه من عربته الحربية مما أدى إلى كسر فى رجله. وكان أيضًا مصابًا بمرض الملاريا. ومن الممكن أن الالتهابات المستمرة تكون قد أضعفت من جهازه المناعى مما جعله يصاب بعدوى الملاريا القاتلة. ولا شىء من هذا وحده أدى إلى وفاته، بل كل هذه الاضطرابات والأمراض تراكمت وأدت إلى وفاته وبسبب ضعفه لم يُنقذ.
وتعرض إلى حادثة قبل وفاته بساعات. ومن الممكن أن تكون هذه الحادثة حدثت عندما كان يصيد الحيوانات البرية فى عربته الحربية فى الصحراء بالقرب من منف. وبسبب ضعفه وإعاقته، استسلم الفرعون الذهبى الملك توت عنخ آمون لجراحه مما أدى إلى وفاته.
اغتيال الفرعون رمسيس الثالث!
حفلت حياة رمسيس الثالث بالعديد من الأحداث بسبب الغيرة والطموحات والمؤامرات، ونتج عنها صراعات كثيرة. وكان أهمها الصراع على العرش بين الزوجات أمهات أولياء العهود الشرعيين والزوجات الثانويات وأبنائهن الراغبين فى حكم مصر بعد رحيل الأب. ووصل التآمر إلى حياة الملك نفسه.
ومن المعروف أنه كانت للملك رمسيس الثالث زوجة ثانوية باسم «تى». وقامت بمؤامرة ضد حياة الفرعون.
ونعلم عن المؤامرة من المحاكمات التى تمت للمتهمين من بردية تورين القضائية. وتعرف المؤامرة بـ«مؤامرة الحريم». وشارك فى المؤامرة عدد من حريم القصر الملكى وبعض سقاة البلاط وحرسه وخدمه. ولم يعرف هدف هؤلاء المتآمرين. ولعل السبب الأساس للمؤامرة أن هذه الملكة «تى» بالتعاون مع بعض نساء القصر خططت لاغتيال الملك كى تضع ولدها «بنتاورت» على العرش بدلاً من ولى العهد الشرعى،الملك رمسيس الرابع بعد ذلك.
وانكشفت المؤامرة، وحُقق فيها بأمر من الفرعون. وحكمت المحكمة على المتهمين بأحكام تتراوح بين الإعدام والانتحار والجلد والسجن وقطع الأنف وصلم الأذن والبراءة، كل وفقًا لدوره وجريمته فى تلك المؤامرة المشينة.
ومن المعروف أن هناك مومياء لرجل غير معروف فى المتحف المصرى. وتُعرف علميًا بـ«مومياء الرجل غير المعروف إى». ويشيع تعريفها بـ «المومياء الصارخة» أو «مومياء الرجل الصارخ».
وأثبتت الدراسات الحديثة التى قام بإجرائها الدكتور زاهى حواس وفريقه على مومياء رمسيس الثالث والمومياء غير المعروفة أنه تم قطع رقبة الملك من الخلف بسكين حاد، وأن «مومياء الرجل غير المعروف إى»  أو «المومياء الصارخة» أو «مومياء الرجل الصارخ» كانت لابن الملك بنتاورت، الذى أُجبر على الانتحار وشنق نفسه بيده من خلال علامات الحبل الموجودة على رقبته. وتم عقاب هذا الابن أشد عقاب بعدم تحنيط جثته ودفن جسده فى جلد الغنم الذى كان يعتبر غير طاهر فى مصر القديمة، وبناء على ذلك سيذهب إلى الجحيم فى الآخرة.
وتؤكد هذه الأحداث صدق الأساليب البلاغية التى تم استخدامها فى نص المؤامرة الأدبى حين أشار إلى أن القارب الملكى قد انقلب، مما يرمز إلى وفاة رمسيس الثالث وصعود روحه إلى السماء. غير أن المؤكد أن المؤامرة قد فشلت بدليل تولى خليفته الطبيعى وولى العهد رمسيس، الملك رمسيس الرابع لاحقًا، عرش البلاد بدلاً من أخيه بنتاورت المتآمر.
ولا نعرف شيئًا عن مصير الخائنة الملكة تى. وإن كان ذكر التاريخ لقصة هذه الملكة الخائنة ومؤامرتها لقتل زوجها فاضحًا للغاية وكاشفاً لسيرتها غير المشرفة. ولقد ساهمت الغيرة بين نساء القصر الملكى والصراع على العرش فى ذلك.
* مدير متحف الآثار-مكتبة الإسكندرية