
محمد جمال الدين
إقالة وزير الداخلية.. والحق فى المعرفة
من الأعراف السائدة فى عالم السياسة أنه غالباً ما يحدث بين الوقت والآخر تعديل وزارى فى أى حكومة سواء كان هذا التعديل محدودا أو موسعا. والغرض منه الوصول لأهداف معينة للارتقاء بمستوى الأداء الذى يسمح بتلبية احتياجات الجماهير.. فيتم الإبقاء على هذا الوزير مثلما يتم الاستغناء عن غيره الذى لم يستطع أن يحقق ما هو مطلوب منه.
ففى الدول التى تأخذ بالنظام الديمقراطى يعلن بكل صراحة وشفافية على الشعب سبب استمرار هذا الوزير فى منصبه وكذلك يعلن أيضاً سبب استبعاده، ولكن عندنا فى مصر وحتى الآن ورغم قيامنا بثورة يناير والتى طالبنا من خلالها بالعدالة والشفافية لا نعرف لماذا لا نأخذ بما هو متبع فى الدول الديمقراطية وندع الناس تضرب أخماساً فى أسداس عن سبب خروج الوزير من وزارته ونجعله عرضة لما يمكن أن يقال عليه دون أن يتصدى أحد للدفاع عنه أو حتى توضيح الأخطاء التى وقع فيها وأدت إلى استبعاده.
خير دليل على ما أقوله هو ما حدث مؤخراً مع وزير الداخلية اللواء أحمد جمال الدين الذى أطيح به دون أن نعرف السبب فى ذلك، رغم أنه لم يمر على تعيينه بالوزارة سوى أربعة أشهر فقط، حاول خلالها أن يعيد هيبة الدولة التى تم انتهاكها من قبل البعض.
وللحقيقة فقد نجح الرجل فى مهمته نجاحاً شهد به الجميع حيث استطاع فى ظل أجواء غير ملائمة بالمرة أن يعيد لجهاز الشرطة ثقته فى نفسه وثقة الشعب فيه، بعد أن ساهم النظام السابق فى النيل من هذه الثقة عندما استخدم الشرطة فى تحقيق أغراضه، ومصالحه حتى ولو كانت على حساب الشعب، وبدأ الرجل بنفسه حين ترك مكتبه وانطلق فى الشوارع والذهاب إلى أقسام الشرطة ليتابع على الطبيعة حالة البلاد الأمنية فساهم بدوره بمعاونة من رجاله فى القبض على العديد من تجار السلاح وقطاع الطرق والبلطجية حتى يعود الأمن والأمان والاستقرار على مصر وشعبها، والأهم من ذلك أنه لم يسخر جهود وزارته لخدمة فصيل سياسى دون غيره، وهذا ما أشاد به المنتمون لتيار الإسلام السياسى قبل غيرهم من القوى السياسية الأخرى وباقى أفراد الشعب.
ولكن.. وآه من كلمة.. لكن، هذه الإشادة التى نالها الوزير ورجاله تحولت بين ليلة وضحاها إلى انتقاد شديد من قبل المنتمين لتيار الإسلام السياسى، عندما استقر فى يقين القائمين على هذا التيار إهمال الداخلية فى حماية قصر الاتحادية، ومن قبلها رفض الوزير إطلاق الرصاص على المتظاهرين الذين اعتلوا أسوار السفارة الأمريكية وتحميله شخصياً مسئولية ما حدث واتهام أمريكا لمصر بأنها دولة غير صديقة وتبع ذلك حرق مقرات حزب الحرية والعدالة واتهام قادة هذا التيار الداخلية بالتواطؤ مع من حرق هذه المقرات، كما وجه له نفس الاتهام عند محاصرة الشيخ المحلاوى فى مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، الغريب فى الأمر أن المنتمين لهذا التيار تناسوا أن ما حدث أمام قصر الاتحادية تكرر أمام المحكمة الدستورية العليا وأمام مدينة الإنتاج الإعلامى وكاد يتكرر أمام قسم الدقى ولولا أن الداخلية وعت الدرس وتحاشت الصدام المباشر بقدر المستطاع مع الشعب، وخاصة أن أغلب هذه التظاهرات كانت سلمية، إلا أن القرار الفاصل الذى اتخذه مسئولو الداخلية ولم ينل رضا تيار الإسلام السياسى فهو الخاص بسحب رجال الشرطة من أمام المتظاهرين فى أحداث الاتحادية حتى لايتكرر نفس الموقف الذى حدث أثناء ثورة يناير، عندما استخدم النظام السابق الداخلية فى التصدى لإرادة الشعب عندما نادت بالتغيير والتى كان من أهم نتائجها انسحاب الشرطة من الشارع وانكسار هيبتها التى ماتزال تعانى منه حتى الآن.
ورغم علم الجميع بما قدمته الداخلية من شهداء لمواجهة أحداث العنف والبلطجة التى شهدتها البلاد عقب ثورة يناير ومحاولة رجالها الدائمة لإعادة الأمن والانضباط إلى الشارع، إلا أن حرق مقرات جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة كانت سبباً آخر فى زيادة حدة الهجوم عليها بعد أن رفضت طلب الجماعة بترخيص السلاح لأعضائها لحماية المقرات، فتعالت أصوات قادة تيار الإسلام السياسى متهمة إياها بالتقصير والبعض الآخر اتهمها بتحريك البلطجية التابعين لها لتنفيذ أچندة فلول الحزب الوطنى، وجعل البلد فى حالة من عدم الاستقرار الدائم لإنهاء حكم الإسلاميين. حتى حدثت الطامة الكبرى التى ساهمت بدورها فى كسر شوكة الداخلية نفسياً ومعنوياً والتى تمثلت فى الهجوم على حزب الوفد وخروج مدير مباحث الجيزة ليؤكد أن من قام بهذا الهجوم وحرق مقر الحزب وجريدته هم أعضاء فى جماعة «حازمون» تصريحات مدير المباحث كانت سبباً فى هجوم حازم صلاح أبو إسماعيل وتوزيع اتهاماته يميناً ويساراً على الداخلية وعلى وزيرها شخصياً، والذى تأكد فى «الڤيديو» الذى قال فيه بأنه «أى الوزير» خائن ومتواطئ وطالب من أنصاره النزول والتجمع وبعد ذلك طالبهم بمحاصرة قسم الدقى «أبو إسماعيل» صرح بعد ذلك بأنه طالب أنصاره بالتجمع فقط ولم يطالبهم بمحاصرة قسم الشرطة، وفى تصريحات أخرى وعقب الإطاحة بالوزير قال فيها إنه شخص مهذب ولايمكن أن يسىء إليه، وهنا أدع للقارىء الحكم على ما قاله أبو إسماعيل عن الوزير سواء «كان سلباً أم إيجاباً».
ڤيديو أبو إسماعيل أثار حفيظة عدد كبير من رجال الداخلية لأنه تعرض لهم ولمن يمثلهم، وخاصة أنه لم يتخذ ضده أى إجراء عما قاله فى حقهم، وزادت ثورتهم عقب ضبط الحارس الشخصى لخيرت الشاطر وماتردد بعدها عن توسط قادة كبار فى جماعة الإخوان للإفراج عنه رغم رفض الداخلية لهذه الوساطة.
أسباب عديدة وقف فيها الوزير السابق ضد رغبات وطلبات ووساطات بل أوامر الجماعة، بالإضافة إلى قادة تيار الإسلام السياسى، جميعها جعلت البعض يؤكد أن الإطاحة به كانت حتمية، هذا ما ردده رجل الشارع البسيط الذى لايعلم هل هذه الأسباب حقيقية، أم أنها من محض خيال من لايعرف من غالبية المصريين سبب الإطاحة الحقيقى برجل الداخلية الأول والإتيان بغيره فى ظل عدم وجود منهج واضح وشفاف يكشف لنا الحقيقة، والمؤسف أن هذا المنهج هو ما نعانى منه طالما لا نجد إجابة لتساؤلات عديدة يطرحها الناس فى الشارع.. ويبدو أن منهج عدم الحق فى المعرفة هو ما سوف نعانى منه فى المستقبل أيضاً رغم معاناتنا منه فى الماضى حتى بعد قيام ثورة يناير. علماً بأن ما نطلبه بسيط وينحصر فى المعرفة التى لن تفيد أحداً ولكنه الأمر الموروث فى الدول التى تأخذ بالشكل الديمقراطى دون أن تطبق الديمقراطية نفسها على أرض الواقع.