الجمعة 11 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أسطورة «الفرعون الشمس» أمنحتب الثالث!أسطورة «الفرعون الشمس» أمنحتب الثالث!

أسطورة «الفرعون الشمس» أمنحتب الثالث!أسطورة «الفرعون الشمس» أمنحتب الثالث!


يمثل عصر الدولة الحديثة زهرة التاج بالنسبة للتاريخ المصرى القديم؛ خصوصًا إذا نظرنا للفنون والثراء، حينها كانت مصر سيدة العالم القديم ودُرَّة التاج فى عالم شرق البحر المتوسط وواحدة من الحضارات التى أثرت ولا تزال تؤثر فى وعى ووجدان العالم أجمع قديمه وحديثه، ويأتى عصر الأسرة الثامنة عشرة على رأس هذه الدولة التى كانت فترة مجيدة فى تاريخ مصر القديمة قلما أن تكرر.

أقامت مصر إمبراطورية مترامية الأطراف فى آسيا وإفريقيا، وجلبت خيرات البلدان الأجنبية من تلك الأماكن القريبة والبعيدة إلى البلاط المصرى مما زاد من الرفاهية والثراء والرخاء والتنوع الثقافى والعِرقى فى تلك الفترة الفريدة من تاريخ مصر القديمة. وظهر ذلك جليّا فى الفن المصرى القديم فى ذلك العصر المدهش.

وفى النصوص الأدبية المصرية القديمة من ذلك العصر، صور ملوك تلك الفترة على أنهم مِثال للحكمة والقوة والشجاعة. وكذلك ظهر الملوك الفراعنة فى عصر الدولة الحديثة فى تماثيل بطولية ذات أحجام كبيرة، وشيّد الملوك المعابد الكبيرة للآلهة فى مدن البلاد الكبرى؛ خصوصًا فى طيبة (مدينة الأقصر الحالية).

شهد عهد الملك تحتمس الرابع، والد الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث، بداية التحول والتغير فى البيئة الثقافية فى الأسرة الثامنة عشرة نتيجة الفتوحات الحربية المصرية فى الخارج، وبالتبعية جُلبت ثروات مهولة وأفكارٌ جديدة وافدة للبيئة المصرية، مما أدى إلى حدوث تلاقح ثقافى مدهش بين القيم المصرية الأصيلة والتقاليد الوافدة الجديدة مع تدفق البضائع والبَشر إلى أرض مصر، أمّ الدنيا، والاتصال بالعالمين الإفريقى والآسيوى شديدى الثراء وكذلك عالم البحر المتوسط الفريد والمتنوع.

وعبّر الفن المصرى القديم فى عصر الدولة الحديثة خير تعبير عن تلك التجديدات والتحولات الفنية المدهشة التى أبدعتها الذائقة الإبداعية والمخيلة المصرية وفقًا لرؤيتها الإبداعية الخالصة، فتم استيراد أفكار زخرفية عديدة مثل الطائر الراكض والخط الحلزونى وسعف النخيل وغيرها.

عصر الفرعون الشمس أمنحتب الثالث

ويُعتبر عصر الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث (ويعنى اسمه «آمون سعيد») واحدًا من أعظم عصور الفن فى مصر القديمة، وواحدًا من أعظم عصور الفن فى تاريخ العالم القديم كله، وأيضًا فى سجل تاريخ الفن العالمى.

وتُطلق كلمة «عهد» عادة على فترة حُكم أى حاكم، وكلمة «عصر» على حُكم عدة حكام، باستثناء عدد قليل من الملوك أو الحكام البارزين فى التاريخ كله، لكن هنا، سوف نطلق على عهد أمنحتب الثالث كلمة «عصر»؛ نظرًا لعظمة وروعة وجمال الفن فى فترة حُكم الفرعون الشمس وطول فترة حُكمه التى تميزت بنهضة معمارية وفنية ليس لها مثيل، فضلًا عن امتداد أثره الفنى فى فنون مصر القديمة التى تلته حين قام عدد من الملوك اللاحقين عليه، مثل الفرعون الأشهر الملك رمسيس الثانى.

ورث الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث إمبراطورية كبيرة فى قمة المجد والثراء والقوة عن أجداده الملوك الفاتحين العظام أمثال أحمس الأول وتحتمس الأول وتحتمس الثالث وأمنحتب الثانى وتحتمس الرابع. وحَكم الملك أمنحتب الثالث (منذ نحو 1410 إلى 1372 قبل الميلاد) الدولة المصرية العريقة نحو ثمانية وثلاثين عامًا، وكان الملك التاسع من ملوك الأسرة الثامنة عشرة من عصر الدولة الحديثة، عصر الإمبراطورية المصرية القديمة، واعتلى العرش بعد وفاة أبيه الملك تحتمس الرابع فى سن الثانية عشرة تقريبًا.

ومن اللافت للنظر أن الملك أمنحتب الثالث احتفل بعيد «سد» أو «حب سد» ثلاث مرّات فى فترة حُكمه البالغة نحو ثمانية وثلاثين عامًا، وذلك فى الأعوام 30/31 و33/34 و37. وعيد «سد» كان هو «العيد الثلاثينى» وفيه كان يحتفل الملك وأهل مصر عادة بذكرى مرور ثلاثين عامًا على جلوس الملك على عرش مصر، ومن خلاله كان الملك يستعيد شبابه وحيويته وقوته ويؤكد على أهليته القوية وشرعيته لحُكم مصر الدولة القوية. وكانت هذه الاحتفالات تجرى فى طيبة.

 الملكة الذكية وصاحبة الشخصية القوية «تى»

وتُعد الملكة «تى» هى الزوجة الرئيسة للفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث. وقد تزوج منها فى العام الثانى من حُكمه. وكانت «تى» سليلة واحدة من إحدى عائلات نبلاء البلاط الأثرياء وتحديدًا من مدينة أخميم الواقعة حاليًا فى محافظة سوهاج فى صعيد مصر الجوانى. ولعبت «تى» دورًا كبيرًا فى حياة وفترة حُكم زوجها الملك الشمس وأنجبت له وريثه وولى عهده الفرعون الموحد والملك الفيلسوف أمنحتب الرابع/أخناتون (فيما بعد) وعددا من الأبناء والبنات، ووصف أحد النصوص الملكة «تى» بأنها ترافق الملك أمنحتب الثالث مثل الإلهة «ماعت» حين ترافق إله الشمس «رع».

 رسائل العمارنة.. مصر والشرق الأدنى القديم

تُعد رسائل العمارنة واحدة من أهم الأرشيفات الدبلوماسية القديمة التى تعطينا فكرة شاملة ومتميزة عن أحوال مصر فى عصر الدولة الحديثة وجيرانها من إمبراطويات ووممالك وإمارات الشرق الأدنى القديم، وحفظ لنا الأرشيف الملكى الخاص بالملك أخناتون فى عاصمته الجديدة «آخت آتون» فى منطقة تل العمارنة (فى محافظة المنيا) عددًا من الرسائل المهمة، أو ما يطلق عليه علماء المصريات والشرق الأدنى القديم اصطلاحًا «رسائل العمارنة» (مكتوبة بالخط المسمارى لغة المراسلات الدولية فى ذلك العصر).

تضمنت تلك الرسائل نصوص المراسلات الدبلوماسية المتبادلة بين أمنحتب الثالث (ومن بعده ابنه أخناتون) وحكام الشرق الأدنى القديم، ومن خلال تلك الرسائل تظهر مكانة مصر المتميزة بين القوى العظمى فى العالم القديم. ويظهر أيضًا مدى حسد حكام بابل وميتانى وغيرهما لثراء الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث؛ خصوصًا امتلاكه كميات كثيرة من الذهب الذى قال عنه أحد حكام الشرق الأدنى القديم إن «الذهب فى أرض مصر المباركة كثير مثل التراب»، طالبًا إرسال كمية منه له.

تزوج أمنحتب الثالث عددًا غير قليل من الأميرات الأجنبيات. واستخدم نفوذه الكبير كى يحضر كثيرًا من هؤلاء الأميرات من تلك البلدان لمصر كى يتزوجهن، إذ كان هذا الملك مولعًا بالنساء لأقصى درجة؛ فنراه يتفاوض على زواج أميرات من أرزاوا وسوريا وميتانى وخيتى غيرها من بلاد الشرق الأدنى القديم التى كانت تخضع لسلطانه الممتد أو من البلدان والدويلات التى كانت تربطه بها علاقات صداقة ودبلوماسية وتبادل تجارى وثقافى.

ومن الجدير بالذكر أن زوجته الرئيسة الملكة الحكيمة «تى» كانت توافق ولا تعارض زواج الملك من هؤلاء الأميرات، بل كانت تبارك تلك الزيجات الدبلوماسية كى ترضى زوجها الذى لم يكن يسكن قلبه غير حبه للملكة «تى»، وكى توطد دعائم وعلاقات حُكم زوجها الملك المحبوب فى الشرق الأدنى القديم.
الملك أمنحتب الثالث.. شمس مصر الخالدة

ووُصِف الملك أمنحتب الثالث بـ«قرص الشمس المشع» وعُرف بلاطه بالعظمة وصار مضربًا للأمثال بالثراء المبهر. واختار رجال بلاطه وكبار رجال دولته من عائلات النبلاء القديمة تماشيًا مع سياسته القائمة على اختيار أصحاب الدم الأزرق فقط لإدارة دولته الشاسعة. وبعد الوفاة المبكرة لولى عهده الأمير تحتمس، أصبح الأمير أمنحتب (أمنحتب الرابع/أخناتون بعد ذلك) وليّا للعهد ثم صار ملكًا على مصر بعد وفاة أبيه الفرعون الشمس.

ولع أمنحتب الثالث بالبناء والفن والعمارة والتشييد، فقد اهتم بترميم ودراسة آثار أجداده من الملوك الأقدمين، ملوك مصر السابقين، وقلّد التمثال الأشهر لجده الأعلى الملك خفرع- من حكام عصر بناة الأهرام من ملوك الأسرة الرابعة-فى تمثال فريد له كان موجودًا فى مقبرة أمنحتب الثالث بطيبة الغربية (ويوجد الآن فى متحف جامعة لندن فى المملكة المتحدة) ويظهر الملك أمنحتب الثالث راكعًا وكان يحمى رأسه الإله حورس، مثل الحال فى تمثال الملك خفرع المعروف عالميّا. وفى النصف الثانى من حُكم الملك أمنحتب الثالث، أشرف الملك شخصيّا- أو من خلال مستشاريه المقربين- على تعديل المبانى الدينية فى طيبة وأضاف إليها معبده الجنائزى الضخم الخاص بتخليد ذكراه فى منطقة كوم الحيتان فى غرب طيبة.

تمثالا أمنحتب الشهيران «ممنون»

وأقام الملك أمنحتب الثالث عددًا كبيرًا من المشروعات المعمارية العظيمة لم يبق منها سوى القليل مثل معبده الجنائزى الكبير الخاص بعقيدته الأخروية، الذى تم تشييده فى طيبة الغربية والذى بقى منه تمثالا ممنون الشهيران المصنوعان من حجر الكوارتزيت اللذان كانا موجودين على مدخل المعبد وعدد من الآثار المكتشفة حديثًا بواسطة بعثة المعهد الألمانى للآثار بالقاهرة. ويعد هذا محطمًا تمامًا. وقد حاول الملك أن يقلد الملوك السابقين عليه فى هذا المعبدالذى كان ضخمًا والذى أقامه الملك للاحتفال بالعيد الثلاثينى لجلوس الملك على عرش مصر. وكان هذا المعبد يحتوى على عدد كبير من التماثيل يقدر عددها بالمئات إن لم يكن بالآلاف المنحوتة من عدد متنوع من الأحجار الصلدة والسهلة.

ومن دون شك؛ فإن أكبر هذه التماثيل على الإطلاق هما تمثالا ممنون الشهيران اللذان كان يحيطان بمدخل معبد تخليد الذكرى الخاصة بالملك أمنحتب الثالث الفرعون الشمس.

كان بهو هذا المعبد أغلب الظن مشيدًا؛ بحيث حين يفيض نهر نيل مصر العظيم يظهر المعبد بعد انحسار المياه موحيًا ومصورًا ومبرزًا قصة خَلق الكون ونشأة العالم عندما بزغت أول بقعة من الأرض المصرية المقدسة من داخل الفوضى والعدم الموجود بالمياه العتيقة فى المحيط الأزلى المسمى بـ«نون» وفقًا للمعتقدات المصرية القديمة؛ خصوصًا مذهب مدينة الشمس «هليوبوليس» (منطقتا عين شمس والمطرية الحاليتان فى الجزء الشرقى من محافظة القاهرة).   

معبد الأقصر.. أعظم آثار الفرعون الشمس

يُعتبر معبد الأقصر واحدًا من أهم آثار مصر الفرعونية والفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث المعمارية الكبرى الباقية إلى الآن، وكذلك فهو واحد من أكبر الأبنية المعمارية على الساحل الشرقى للنهر الخالد: نهر النيل، من دون شك، علاوة على معابد الكرنك.

وفى هذا المعبد نُحتت تماثيل الملك أمنحتب الثالث الممتازة من الجرانيت الأسود والأحمر لكن بالأسلوب التقليدى الرسمى من دون أن تظهر مكنونها الداخلى الذى كان يريد الملك إرساله إلى مشاهدى تلك التماثيل. وفى هذا المعبد تم تصوير وتسجيل ما يُعرف بقصة الولادة الإلهية التى تأسس لشرعية حُكم ومِلك الملك أمنحتب الثالث من خلال نسب نفسه إلى المعبود الأكبر آمون كى يصبح حكمه شرعيّا للبلاد نظرًا لميلاده من زوجة ثانوية لوالده الملك تحتمس الرابع.

 أمر أيضًا الملك أمنحتب الثالث بتشييد أعمال ضخمة فى الأقصر ومدينة هابو وأماكن عديدة كان من بينها نحت أكثر من خمسمائة تمثال لإلهة طيبة المعروفة الربة «سخمت» فى معبدالإلهة «موت» بالبحيرة المقدسة «أشرو» بمنطقة معابد الكرنك. وأقام الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث معبدالإلهة «موت» فى منطقة معابد الكرنك، والصرح الثالث بمعابد الكرنك، وأقام «مونتو» ومعبد «ماعت» فى معابد الكرنك. وقام أيضًا بإضافات مهمة لمعبدالإله «جحوتى» فى هرموبوليس (الأشمونين فى المنيا فى مصر الوسطى).

ملامح وجه الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث
وفى البداية، ظهر الملك أمنحتب الثالث على آثار عصره فى الصورة التقليدية كمَلك رياضى وبناء عظيم قبل أن يركز على صورته الإلهية كى يؤكد على مكانته العالية فى المجتمع المصرى القديم. وقام مهندسه الشهير العبقرى «أمنحتب بن حابو»  بتخطيط وتنفيذ برنامج معمارى ضخم يلبى رغبات وطموحات مَلكه العارمة للخلود والتميز بين ملوك مصر أجمعين.

وفى العقد الأخير من حُكم الملك أمنحتب الثالث، مال الفن إلى الأسلوب الواقعى؛ فنرى الملك مصورًا فى تماثيل سنواته الأخيرة بدينًا. وأيضًا ظهر واجمًا من أثر الإجهاد والإرهاق، وفى صورة بشرية للغاية. وصار التعبير الحُر مصرحًا به كثيرًا. وهناك عدد من الدارسين من يعزو تلك التحولات الفنية الكبيرة فى نهاية حُكم الملك أمنحتب الثالث إلى تأثره بالأفكار الدينية لولده وولى عهده أمنحتب (أمنحتب الرابع/أخناتون بعد ذلك) الذى ربما شارك والده الملك أمنحتب الثالث المسن فى الحكم فى نهاية فترة حُكمه لبعض من السنوات غير معروف عددها على وجه التحديد.

وفى نهايات حُكم الملك أمنحتب الثالث، حدث تعديل فى تشكيل العيون، وفى شكل جفن العين العلوى، وتم تخطيط الحواجب بطريقة طبيعية، وأصبح الخط الفاصل بين الشفتين منحنيًا مزدوجًا، وتحولت الابتسامة السابقة إلى تقطبية حزينة، وأصبحت الأذنان شحميتين أكثر.

وفى النهاية؛ فإن عصر الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث وروائعه الفنية والمعمارية الفريدة والعديدة والمتنوعة الخاصة بالملك وأفراد عائلته وكبار رجال بلاطه وحاشيته كان بحق خير شاهد على الثراء والجَمال والروعة ودقة الأداء وعظمة مصر فى العالمين القديم والحديث على حد سواء. لقد كانت مصر القديمة محظوظة بوجود ملك مثل الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث بين ملوكها من البنائين العظام، وقد كان أيضًا الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث محظوظا بحُكم دولة عظيمة كمصر سيدة العالم القديم فى ذلك العصر: عصر الإمبراطورية، التى أعطت له شهرة لا يضاهيه فيها كثير من حكام مصر من الفراعين الخالدين على وجه الزمن المتغير دوما