جولة فى عقول الميادين!

 أعشق السير فى الشوارع.. أقرأ البيوت والأرصفة.. وأحوال الشجر.. لأعرف ما يدور فى عقول البشر.. وللأمانة.. الجميع يشكو.. صاحب السيارة الملاكي.. والباعة الجائلون.. حتى أصحاب المحال.. كلُ فيما يعيشه ويتمناه».
 وفجأة.. اقتربت من إحدى حملات محافظة «الجيزة».. ولكن من بعيد بالطبع.. هناك شد وجذب بين الطرفين، رجال المحافظة من جانب وأصحاب البيوت والباعة الجائلون وأصحاب المحال.. من جانب آخر... بينهما تصرخ سيدة قائلة .. «إنتوا إيه اللى جابكوا هنا» وأخرى تطل من إحدى البلكونات معلنة سعادتها بقدوم هؤلاء الغرباء الذين أتوا لإعادة الانضباط إلى الشوارع والأزقة فى أماكن لم يدخلها مسئول أو حتى عسكرى دورية منذ قديم الأزل.
 بين صرخة الأولى وسعادة الثانية.. وجدت  هذا الرجل للمرة الثانية فى أقل من شهرين يحمل ثلاث موبايلات وجهازًا لاسلكيًا..  انتظرت لأكثر من ثلاث ساعات حتى تنتهى المشادات الأولى بين الطرفين.
 اقتربت منه أكثر لأعرف ماذا يدور فى هذه المنطقة البائسة.. رد قائلًا «بنحاول» نضبط الدنيا شوية «قلت وهل ستدوم هذه الحملات.. رد قائلًا بابتسامة هادئة ..«لا تستقيم الحياة مع الفوضي».
 أثار اندهاشى  بأنه لم يسألنى اسمى أو وظيفتى .. قلت له أنا أسمى كذا وأعمل فى كذا.. رد قائلا وأنا اللواء محمد رأفت سكرتير عام محافظة الجيزة.
 وللأمانة كنت أتخيل أنه أحد رؤساء الأحياء... فقلت له سريعًا .. الرجل الثانى فى المحافظة.. يقود حملة إزالات أو انضباط الشارع المصري.
رد قائلاً.. المحافظة أو المحليات مكانها الأساسى الشارع وليست المكاتب.. وأضاف سيادة المحافظ اللواء أحمد راشد حاليا فى  منطقة أخرى أيضا يقوم بذات  العمل.
 قلت ولكنك لم تسألنى عن ماهيتى ولم تغضب .. رد قائلا من حقك أن تسأل وحقك عليّ أيضًا أن أرد دون غضب.. فهذا الأمر يهم طرفين المسئول والمواطن.. وليس هناك أمر شخصى .. يدعو إلى الخجل أو الكتمان.. فأنت من حقك  كمواطن عادى وليس كصحفى أن تعرف عن يقين بأن هذا المسئول جاء لخدمتك.
 أثار حيرتى أكثر لأسأله.. عن خبرته السابقة... عرفت أنه أحد رجال القوات المسلحة سابقًا.. وعمل تحت قيادات محافظات كثيرة منذ أكثر من عشر سنوات.. وعلى رأسهم شيخ العرب المحافظ قدرى أبوحسين حتى وصل إلى هذا المنصب من خلال مسابقة علنية.. قلت ولم تشعر بضيق.. من هذه الفكرة أو المسابقة رد سريعًا.. بالعكس تمامًا.. أولاً ترمومتر المحافظة هى «المحليات» قلت أدراك بالمحليات.. عاودتنى الابتسامة مرة أخرى.. قائلاً أى فئة  بها الصالح والطالح..  هل الطالح ينفذ عليه القانون أم لا؟! قلت .. لماذا المحليات تحديدًا أكثر إثارة من  أى جهة أخري.. رد قائلا لأنها مرتبطة بجميع  فئات المجتمع الفقير قبل الغنى.. صاحب العمارة والمواطن العادى الذى من حقه أن يسير فى شارع نظيف أولا ودون عائق ثانيا..
قلت .. المحليات بها مشاكل كثيرة.. رد قائلًا للأسف لعدم وجود معايير توظيف محددة.. وتوصيف وظيفى يطابق  هذه المعايير.. وهذا أمر يطول شرحه.
وأعلم جيدًا أيضًا أن الإنسانية فوق القانون.
 لفت نظرى .. أنه يجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة.. قلت هل سافرت فى بعثات خارجية؟! ضحك قائلاًعملت من خلال القوات المسلحة فى حلف الأطلنطى والأمم المتحدة..
وأخيرا وليس بآخر.. عمر هذا الرجل واحد وخمسون عامًا!!.
 سؤال يحيرنى هل من حق المواطن الذى يستخرج بطاقة أو شهادة ميلاد من السجل المدنى المنتشر فى ربوع المحروسة أن يجلس على كرسى  ويقى نفسه من أشعة الشمس انتظارًا لهذا المستند المهم.
وأهمس  فى أذن معالى وزير الداخلية اللواء محمود توفيق.. هل يرضيك شكل طوابير المواطنين يوميًا انتظارًا لخدمة مدفوعة الأجر.. فهل تسمعنى.
حيرنى صديقى الذى لم أعرفه.. اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة.. يعمل فى صمت..  وبهدوء عجيب.. حتى على صفحته الشخصية على «الفيس بوك» تجده فى وسط المشروعات الكبرى ولكن أيضا بدون كلام.. ودون تعليق.
لا أعرف لماذا أتذكر.. اللواء مهندس محمود عبدالبر رئيس هيئة التعمير الأسبق.
ولنا عودة إن كان فى العمر بقية