الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
لحن «نشاز»!

لحن «نشاز»!


أعتذر مقدما للقارئات والقراء، لو وجدوا مقالى اليوم، «مترنحا» أو «متثائبا»، أو أن «غناء القلم»،  يشوبه بعض «النشاز».  
فأنا لم أذق طعم النوم، منذ ليلتين على التوالى.
بدون «النوم»، الهادئ، العميق، الداخل إلى عمق السكون المولود من بهجة الصمت، لمدة 8 ساعات متصلة، بلا انقطاع، فى أحضان ذكرياتى، وعلى وسادتى الحانية، الحاملة كل أسرارى، معناه الجحيم.  لقد حُكم على اليوم التالى، بالإعدام شنقا، أو بالحقنة القاتلة، أو على الكرسى الكهربائى.
ومهما حاولت الفرار، فأنا على موعد مؤكد، مع «أريفة» المزاج، وتعطل قدرتى على التفكير، وأخذ القرار، والكتابة.
قلة «النوم»، تفسد كيمياء جسمى، وكهرباء مخى، وتعفرت كرات الدم الحمراء، والبيضاء، فى دمى. ولست قادرة على إصلاح الأمر، حتى بالقهوة التى «تعدل المزاج»، وتسلطن «غناء القلم».
أعتقد أن « النوم» الكافى، المتواصل، دون إزعاج،  أو أرق، عامل أساسى فى معادلة السعادة.
وإذا تأملنا، ودرسنا، عن قرب، حالات التوهان،  والتوتر المزمن، والقلق المتراكم، وعدم التركيز، والعصبية المتحفزة للهجوم، والعدائية المنتظرة أى هفوة صغيرة، وعدم الإنجازات الدقيقة، سنجد أن «القاسم المشترك، بينها، هو افتقاد  النوم الكافى المتواصل الصحى».
و«النوم غير الطبيعى». أكثر من هذا، فإن هناك بعض الأمراض، قد تبدأ لانعدام حصول الجسم على «النوم».
وهناك أنواع من الداء، قد تُشفى من تلقاء نفسها، أو تخف المعاناة منها، بانتظام النوم.
وربما تمثل الأدوية المضادة للأرق، واضطرابات النوم، والمنومات، والمهدئات المساعدة على النوم، أكثر الأدوية مبيعا فى العالم كله.
هذا يدل على أن الإنسان المعاصر، العائش على كوكب الأرض، رغم مظاهر التمدن، والتحضر، «متعب»، «مرهق»، يشعر بـ«الغربة»، و«الوحدة»، و«الضياع»، و«التعاسة»،  و«عدم الأمان»، وافتقاد «الانسجام» مع هذا العالم. ولذلك يحتاج إلى عوامل خارجية، للقبض على «النوم»، رغما عنه،  ولاستحضار «النوم» دون إرادته.
إن «النوم الطبيعى»، يستحيل فى عالم «غير طبيعى».
و«النوم» الصحى، غير ممكن فى عالم مريض. و«النوم الآمن» لا يحققه عالم يسفك الدماء لتزدهر صناعة الأسلحة. و«النوم الهادئ»، يعكره صخب القهر. و«النوم المستقر»، يحتاج إلى معجزة، فى عالم «على كف عفريت» أحمق ومتوحش.
وتقديرا لأهمية «النوم الجيد»، و«النوم الصحى، أصبح هناك تخصص اسمه  «طب النوم». 
طبعا، أنا جزء من هذا العالم البائس. لكننى استطعت أن أصنع، «عالمى الخاص». عالما داخليًا بديلا، لا يأخذ من العالم الخارجى، إلا «الحد الأدنى»، الضرورى للبقاء. بدون هذا العالم البديل، لم يكن بإمكانى «النوم الطبيعى». وتساعدنى  سدادات الأذن،  على بناء «حائط صد»، يحمينى من اختراق كل أنواع الدخلاء.
لكن منذ ليلتين،  وعلى التوالى مباشرة،  هرب النوم، وهجر عينى، وتركنى فريسة طيعة، لصوت ميكروفون، لشخص يقرأ القرآن، لمدة خمس ساعات، منبعث من سرادق عزاء.
والليلة التالية، كنت صيدا سهلا، لصوت ميكروفون، لشخص يغنى فى  أحد الأفراح، مع «تحابيش» من الزغاريد، والتصفيق، ودق الطبول، ورقص الصاجات، من السابعة مساء، وحتى الفجر.
لا أستطيع تخيل أى دولة متقدمة، أو حتى متأخرة، تسمح بهذه السلوكيات المعيبة، ولا تراقبها، ولا تحظرها.
قمة انتهاك الخصوصية، وحق الإنسان بالراحة، والهدوء، والسكن فى منزله.
شخص مات إلى رحمة الله تعالى. أنا مالى، لكى  أتعذب، وأتوتر، وأتأريف، ولا أنام؟
شخص يتزوج، أنا مالى، لكى تفسد ليلتى، ويتعكر مزاجى، وتتعب أعصابى، ويحترق دمى؟
لماذا الصخب العالى، لصوت ميكروفون، فى ليلة عزاء؟.
ما العلاقة بين الصخب، وفقدان شخص عزيز؟ وما دلالة هذا السلوك؟
لماذا ينهشنى صخب حفلات الزواج، من المساء حتى الفجر؟
يا ناس لا تنتهكوا خصوصيتنا، ولا تفسدوا أوقاتنا، ولا تتحرشوا بحرمة بيوتنا، ولا تغتصبوا حقنا الإنسانى فى الهدوء داخل عالمنا الصغير، باسم الموت، أو الفرح.
أخبرتنى إحدى صديقاتى، عندما بلغت البوليس ذات مرة، فقيل لها: « أيوه فيه قانون يمنع الإزعاج ده... بس معلش... دى حالة وفاة والناس جاية تعزى.. يعنى شوية رحمة.. ربنا يكون فى عونهم ويصبرهم... وبعدين ده كلام ربنا».
لست أدرى ما علاقة حالة وفاة، وكلام ربنا، بأن نكسر القانون الذى يحفظ حقى فى حرمة بيتى؟
ما علاقة واحدة بتتجوز، بحقى فى الهدوء والراحة والنوم،  فى بيتى؟
وأصلا، منْ الذى ابتدع « الميكروفون» لاستعراض الحزن، والفرح؟
إن الحزن فى القلب. والفرح أيضا فى القلب. وارتفاع الميكروفونات فى العزاء، وفى الأفراح، ليس له إلا معنى واحد، بسيط، لكنه جسيم، إن سلوكياتنا وأفكارنا، فى الألفية الثالثة،  همجية، بربرية، يغيب عنها التحضر الحقيقى.. وإننا نفتقد بشكل مرعب، الحساسية تجاه حقوق وحريات الآخرين... وإننا نخلط مشاعر الحزن، والفرح، بأفعال غير عقلانية، استعراضية، إرهابية.