الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
«المطبخ» و«غرفة النوم» وملكات الجمال

«المطبخ» و«غرفة النوم» وملكات الجمال


فى أول أكتوبر سيتم حفل اختيار ملكة جمال مصر 2018، كما قرأت فى الصحف. وهذا خبر من الأخبار، التى دائما ما تثير تساؤلاتى، خصوصًا عندما أرى كيف يحتفى الإعلام، بالنساء المشتركات فى هذه المسابقة، وكيف أنه فى الوقت نفسه، يهمل ويتجاهل أخبارًا تتعلق بإنجازات النساء فى العمل، وفى الإبداع، والبحوث العلمية، ومشاركتهن الفعّالة والمميزة، فى ندوات ومؤتمرات عالمية فى منتهى الأهمية.
هذه حقيقة مؤسفة، تدل على أننا مازلنا ندور فى فلك قديم، متهالك، ذكورى، مستهلك، يرسخ الفكرة العنصرية المعيبة التى تمردت عليها المجتمعات المتقدمة.. الفكرة التى تجعل من أجساد النساء، «سلعة»، و«استثمارًا»،  و«بيزنس»، لجمع الفلوس، والفُرجة على النساء، باعتبارهن مثل «اللحم»، و«المنتجات» المعروضة فى الفاترينات. تصطف النساء فى طوابير، تنتظر إثارة الإعجاب، والنجاح فى اختبارات المقاييس الذكورية الموروثة منذ آلاف السنوات، ومطابقة الشروط والمعايير الدولية لحضارة عالمية مقلوبة، الرأس. أو ربما وهذا هو الأرجح، أنها فقدت رأسها، فى إحدى الحروب التى تمولها وتدعمها.
نعيش فى عالم شديد «القبح». قبيح فى أولوياته، التى تضع الفلوس، والهيمنة، فوق قيمة الإنسانية. قبيح من كثرة الأكاذيب التى يروجها الإعلام. قبيح فى هوسه بالجنس، والاغتصاب، ومص الدماء، وقهر الأضعف. قبيح، فى دعمه للإرهاب الدينى، والطائفية، والمذهبية، بينما يصرح كل يوم، أنه «ضد الإرهاب». عالم قبيح، كيف يعجز عن تلبية الاحتياجات المادية والمعنوية، للغالبية من سكان الأرض. حضارة عالمية «قبيحة»، يديها ملوثة بدم ودموع وصرخات، وأشلاء الضحايا. «قبح» ينتج عنه زيادة عدد الفقراء، والمهمشين، والعاطلين، والمهاجرين، المرضى، والمكتئبين، والمضطهدين، ومرتكبى الجرائم، والأطفال المعاقين، والنساء المعتدى عليهن فى كل مكان. «قبح» فاق الخيال. ورغم ذلك، تجد الجرأة، لتمويل وعقد مسابقات ملكات الجمال.
 تقف النساء «الجميلات»، تنتظر كل واحدة منهن، الفوز بلقب ملكة جمال مصر. بينما مصر، ترتع فى مناخ متضخم، الذكورية، يقاوم بضراوة أى تعديل فى قانون الأحوال الشخصية، ينصف هؤلاء «الملكات»، حين يصبحن متزوجات وأمهات.
أتخيل الفائزة وهى تلف خصرها، بقماشة مكتوب عليها ملكة جمال مصر 2018، وتبتسم للجمهور وعدسات المصورين، وميكرفونات القنوات الإعلامية، هى نفسها، حسب الشرع والقانون والعُرف، عليها «طاعة الزوج» دون مناقشة، دون اعتراض على شريعة الله التى أنزلها، لتكون صالحة لكل زمان ومكان.
 هى «ملكة» فى نظر الصحافة والإعلام وممول المسابقة.
لكنها «خادمة»، و«جارية»، و«مملوكة»، جاهزة للمعاشرة الجنسية، لمنْ دفع المهر، ولمنْ سيعول، ولمنْ يكتب الأطفال باسمه، ومنْ سيكون «قوامًا» عليها، مسجلة «على ذمته»، الذى يستطيع بكلمة عابرة شفهية أن يطلقها فى مهانة، ومذلة، ويشردها، هى وأطفالها فى الشوارع، وعلى أبواب المحاكم. بل يستطيع أن يقتلها، ويشوه جثتها، لأنه يشك فى سلوكها. وسوف يجد الكثيرين الذين يبررون، ويقننون، جريمة «الشرف»، التى تدل على الدم الحامى، والرجولة الحقة، ورفض الفحشاء. وحتى قبل الزواج، لا يتردد الأب « الحِمش»، أو الأخ الذى يواظب على الصلاة، والصوم ويسافر للحج، أو الخال الملتحى، أن يذبحها، تخلصًا من عارها.
 يا لها من مفارقة، ساخرة، مؤسفة. لكنها من بديهيات وأسس العلاقة الزوجية، والنظرة إلى المرأة، فى علاقتها بالأسرة الأبوية، الذكورية.
 هناك شيء آخر فى مسابقة ملكات الجمال. هى تعتمد على الجمال الشكلى الجسدى. وهذا جمال، نحن نُخلق به، وليس لنا فضل فيه. وبالتالى يفقد معناه. كل الأشياء التى نمتلكها، وليس لنا دور، فى وجودها، وتعزيزها، لا تدل إلا على مجرد «الحظ السعيد»، أو «الصدفة المواتية».
إن الجمال، كما أراه، لا بد أن نعمل على خلقه بأنفسنا، وبذل الجهد من أجل تحقيقه، ورقيه، على مدى السنوات. وهذا بالتحديد، الذى يجعل مسابقات ملكات الجمال محصورة فى السن الصغيرة فقط. إنه مقياس شكلى مظهرى، يفتقر إلى «الجمال» الحقيقى، الذى يمكن أن يوجد فى أى سن، طالما أننا نساء، ورجال، مازلنا أحياء نُرزق. ومازالت الحياة فى قلوبنا، عامرة بحب العدالة، والحرية، وجوهر الأشياء. فى الحفلات يصفق الرجال إعجابا، وانبهارا بملكات الجمال. وإذا تزوج واحدة منهن، يتوقف التصفيق، يختفى الإعجاب، والانبهار، ويُفرض عليها الإقامة الجبرية، فى منفاها المقنن، الشرعى، الموروث.. والمكون من غرفتين فقط.. «المطبخ»، و«غرفة النوم».