الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
القهر بمرجعية الحرية

القهر بمرجعية الحرية


يقول المثل: «قبل أن تملأ الكوب بالماء النظيف، عليك أولا أن تسكب
الماء الملوث».
 هكذا أدرك مصطفى كمال أتاتورك 19 مايو 1881 – 10 نوفمبر 1938، أن بناء تركيا الحديثة - الماء النظيف - يبدأ حتميا، بالقضاء النهائى على خلافة آل عثمان – الماء غير النظيف - التى تورث الحكم السياسى، بشرعية دينية، للخليفة، باعتباره «ظل الله فى الأرض».
 وفعلا، ومن دون مهادنة، ومن دون الإمساك بالعصا من المنتصف، ومن دون اتخاذ مواقف رخوة، متأرجحة، ومن دون سياسات مرتعشة، متناقضة، بدأ أتاتورك، حربه الضارية، على نظام الخلافة.
 كان أتاتورك، يؤمن بأن اختلاط الدين، بالسياسة، أشبه بالخلايا السرطانية، التى تتكاثر، وتنتشر، وتغزو، منذ لحظة، اختراقها للجسد. وبالتالى، فإنها تستلزم الاستئصال، والقطع، والحرق، من الجذور، وفى كل مكان، دون هوادة.
انتصر أتاتورك، فى معركته الحضارية، على من أطلقوا على أنفسهم «خلفاء الله فى الأرض»،  وسلاطين الدولة العثمانية، والإمبراطورية الإسلامية العثمانية، الممتدة، فى كل الاتجاهات، وكانت تركيا هى مركزها، لمدة أكثر من 600 سنة. حيث أسسها عثمان الأول، سنة 1299.
 تم إعلان الجمهورية التركية الحديثة، ودستورها العلمانى، فى 29أكتوبر 1923. وتوالت الإنجازات الأتاتوركية، مثل وضع قوانين مدنية، لتنظيم وحكم المجتمع، وإلغاء المؤسسات الدينية، والغاء المحاكم الشرعية، وإحلال الأبجدية اللاتينية، محل الأبجدية العربية، وإقرار المساواة بين المرأة والرجل، وتغيير قوانين الأحوال الشخصية، فى الزواج والطلاق والميراث، من أحكام دينية إلى أحكام مدنية.
إن تركيا، منذ رئاسة، رجب طيب أردوغان، للحكومة فى سنة 2003، ثم رئاسته للجمهورية، فى 2014، وهى تشهد تناميًا، للتيار الإسلامى،  وتهديدًا للحكم العلمانى.
يقول أردوغان، إنه لن يمس الدولة العلمانية، لأن حزب العدالة والتنمية، الذى ينتمى إليه، حزب «مدنى»، ولكن بمرجعية «إسلامية» سُنية.
كيف تجتمع العلمانية، مع المرجعية الدينية؟!
لقد كان مع حزب العدالة والتنمية، أن سمعت تركيا، مرة أخرى، كلمات مثل المرجعية الإسلامية، ومثل الحجاب فريضة، ومثل ضرورة تعديل الدستور العلمانى.
فى بلادنا، حيث يحظر الدستور، قيام الأحزاب الدينية، فإن حزبًا مثل حزب النور، أعلن أنه، لا ينتهك الدستور، لأنه حزب مدنى، بمرجعية إسلامية. وأحزاب دينية مماثلة، تخدعنا بأنها ستترك السياسة، وتكتفى بالعمل الدعوى، حتى لا يتم حظرها.
 قرأت لوزير الأوقاف، تصريحًا يقول فيه: «لن نسمح للجماعات الإسلامية بممارسة العمل الدعوى».
 اعتبرت هذا التصريح، إن كان صحيحا، مؤشرا إيجابيا لتجديد الخطاب الدينى، واستعادة الدولة لهيبتها، أمام جماعات دينية سريعة التكاثر، تريد إنشاء دول إسلامية، داخل الدولة.
 كذلك يدل هذا التصريح، على أن الدولة قد تيقنت أن العمل الدعوى، الذى يقوم به حزب النور، يدخل فى عمق العمل السياسى.
وبالتالى، يكون لافتة «حزب مدنى بمرجعية دينية»، مجرد لافتة صورية، حتى لا يُتهم بانتهاك الدستور. تمامًا، مثلما يفعل أردوغان.
 بعد هذا التصريح لوزير الأوقاف، قرأت أيضا ما قرره عن مشروع  «إعمار» يستهدف فى البداية بناء 2000 مسجد.
 واندهشت. هل بناء المساجد، يدخل فى تجديد الخطاب الدينى؟. هل ما نكتبه عن «بناء الإنسان»، ستكون مرحلته الأولى «بناء المساجد؟. ومنْ قال إن مشكلة الوطن، تكمن فى قلة المساجد؟
 أعتقد أننا على العكس، لدينا تضخم فى عدد المساجد. لا توجد منطقة فى مصر، إلا وينتصب فيها مسجد، أو عدة مساجد قريبة، أو متلاصقة. حتى فى الصحراء، نجد المساجد المزودة بالميكرفونات العالية.
 بل يمكن وصف مصر، على إنها بلد المساجد، والمآذن، حيث يقع بين كل مسجد وآخر، مسجد فى المنتصف.
 فى بعض هذه المساجد المتناثرة فى كل مكان، تم حشو الأدمغة بالأفكار الإرهابية، والتطرف الدينى، والتعصب الطائفى، وتغطية النساء، فى المدن والقرى، على حد سواء.
 وزير الأوقاف نفسه، يعترف بهذه الحقيقة، مما دفعه إلى مراقبة المساجد والنظر فى تراخيصها، وهوية مشايخها، وخطبائها.
 لست أدرى ما الأمر؟
 بدلا من بناء 2000 مسجد، يتوجب علينا بناء مستشفيات للفقراء، ومحدودى الدخل، أو بناء مسارح لاستقطاب المواهب الجديدة، أو بناء دور حضانة للمرأة العاملة، أو صيانة المرافق المتهالكة، أو تنظيف المساجد الموجودة بالفعل، وتطهيرها من الميكرفونات.
 إن التحدى الكبير، الذى يجب أن نواجهه، هو «بناء المواطن المصرى والمواطنة المصرية». لكن يبدو أن «مواد» هذا البناء، محظورة، أو ناقصة فى الأسواق، أو يغلفها التراب والصدأ.