
د. مني حلمي
كيف تعاقب السينما المرأة المتمردة على سُلطة الذكور
«الثورة»، مع «المتعة»، هذا هو التحدى، أو السهل الممتنع، فى أى عمل فنى.
إن «المتعة» فى العمل الفنى، متعة، تحرض على التفكير، فى آفاق جديدة، وعلى إعادة طرح الأسئلة، وعلى غربلة العواطف، والمشاعر، الإنسانية، بشكل «خفى»، «ناعم»، تماما مثل، أشعة الشمس، فى الخريف، التى تتسلل إلى الجلد، فى هدوء، وسلاسة، ونعومة.
وكل هذا، لا بد أن ينبع، من قيم الجمال، والاستمتاع، والسرور. وإلا أصبح العمل الفنى، غير فنى، وقبيحا، ومنفرا، وفاشلا.
يُقال إن افتقاد العمل الفنى، للمتعة، والجمال، والنعومة، يجعله «مباشرا»، مثل الخطب السياسية، والأغانى الوطنية الحماسية.
لكننى أرى، أن الخطب السياسية، والأغانى الوطنية، الحماسية، حتى تكون مؤثرة، لابد أن تكون، مثل العمل الفنى،
«ممتعة»، و«جميلة»، و«هادئة»، و«سلسة»، و«غير مباشرة».
وهنا أتذكر، مقولة «نبى الجمال»، جبران خليل جبران، 6 يناير 1883 –10 أبريل 1931 «افعل كل شىء طالما تفعله بجمال».
أتخيل لو مثلا، منذ ثلاثينيات القرن الماضى، كنا نشاهد أفلاما سينمائية، تقدم لنا، التحدى الأكبر، والسهل الممتنع، أى «الثورة»، مع «المتعة»، لكان لدينا تيار جماهيرى واسع، وأجيال متتالية، ورأى عام شعبى، مستنير، يقف إلى جانب الحرية، والعدالة، والجمال. وكنا خطونا، خطوات واسعة على طريق التقدم.
لكن بكل أسف، هذا لم يتحقق.
ودعونى أضرب مثلا واحدا، بقيمة الشرف فى مجتمعاتنا.
كل الأفلام العربية، دون استثناء، اعتبرت أن شرف الزوج، أو شرف الأب، أو شرف كبير العائلة، «الذكر»، لا يُقاس بسلوكياته، وأخلاقه، هو شخصيا. ولكن بفقد الأنثى، لعذريتها، قبل الزواج. وهو الأمر، الذى يستوجب قتلها، سترا «للعرض «الذى تم استباحته، واستعادة للشرف، الذى «تمرمغ» فى الطين. ويزيد على هذا المفهوم المتدنى لمعنى الشرف للإنسان، سواء كان رجلا، أو امرأة، أن الذكر الذى استغل حب، وثقة، الفتاة، الضحية، يذهب حرا، دون عقاب، دون أى «نبذ»، اجتماعى، أو قانونى، أو أخلاقى.
وحتى يكون الفيلم، متمردا، على هذا المفهوم «غير الشريف» لمقياس الشرف، لابد أن تكون كل أسرة الفيلم، الكاتب، والمخرج، والأبطال، والمنتج، والنقاد، يؤمنون برسالة الفن، فى التغيير، والقيادة، والريادة، وضرورة كشفه، للقيم، والعلاقات، والأخلاق، التى تكرس للظلم، والفساد، والانحلال، والذكورية، والقبح، والتفرقة بين البشر فى جميع أشكالها، ودرجاتها.
والحق يُقال، إن السينما المصرية، قدمت أعمالا كثيرة، كشفت قبح، وقهر، وتسلط، وفساد، القيم «الطبقية»، حيث:
«الأعلى»، اجتماعيا، هو «مالك»، الثروة. وحيث صاحب رأس المال، هو رأس المجتمع، ورأس الدولة، ورأس الأخلاق، ورأس الثقافة، ورأس الدين.
كما قدمت السينما المصرية، أفلاما كثيرة، عن مقاومة الشعب المصرى، وتوحده، نساء ورجالا، ضد الاحتلال الأجنبى.
وإن كانت الصورة النمطية للمرأة الوطنية، أنها لابد وأن تكون «مسترجلة»، لابسة نظارة سميكة، غير أنيقة، وعانس. كإنما العمل الوطنى فقط للنساء، القبيحات، اللائى يفتقدن الجاذبية، لا تقدم عليه النساء الجميلات الأنيقات، العاشقات.
لكننا لا نجد أفلاما، كشفت بالقدر نفسه، وبالدرجة نفسها، قبح، وقهر، وتسلط، وفساد، القيم «الذكورية»، فى البيوت.
الشيء الجدير، بالملاحظة، أن الفتاة، أو المرأة، إذا تمردت على القيم الذكورية، فإنها فى آخر الفيلم، لابد من عقابها، بالقتل، والموت، أو يحدث لها حادث، يشلها، ويقعدها عن الحركة، طوال حياتها، أو يطولها «النبذ «الاجتماعى، والأخلاقى، لتعيش وحيدة بائسة، لا يتزوجها أحد، ولا يحبها أحد، ولا يصادقها أحد.
أو يتم ترويضها، لتدخل، مرة أخرى، الحظيرة «الذكورية، وقد ندمت على تمردها، وعدم طاعتها، أشد الندم.
لا يوجد فيلم عربى واحد، يصور امرأة، لا تطيع الأخلاق الذكورية، الذكورية، وتتمرد على سلطة الأب، أو سلطة الزوج، وتكون نهايتها، حياة هادئة، سعيدة، ناجحة، وقدوة وإلهاما للأخريات المقهورات.
هذه هى «محنة»، و«أزمة»، و«مأساة»، الفن، فى مجتمعاتنا، بل فى العالم كله.. المواهب كثيرة، متعددة. لكن أصحابها، نساء، ورجالا، لا يحملون أى رسالة ثورية، جذرية، تمس فى العمق، التقاليد الموروثة.
التقاليد الموروثة. بل على العكس، فإن أغلب الأفلام، والأعمال الفنية، ترسخ الموروثات، التى تعرقل العدالة والحرية.
بمعنى آخر، أكثر عمومية، أن أصحاب «الفلوس»، ليس لهم فكر. وأصحاب «الفكر» ليس لديهم فلوس.
لنعد مثلا، كم عدد القنوات الإعلامية الفضائية، التى أسسها «أصحاب الفلوس». عدد كبير جدا. ولكن ماذا تقدم لتنوير الفكر، وحركة التغيير، وفلسفة التنوير، واصلاح العقل، وتهذيب الوجدان؟. لا شيء، غير التشابه الإعلامى الصاخب، الذى انتهت مدة صلاحيته الثقافية والإنسانية.