
د. مني حلمي
إنكار ما هو معلوم من المواطنة.. بالضرورة!
لماذا توجد على كوكب الأرض، مجتمعات تتقدم، كل يوم، فى كل المجالات. بينما تحتل المجتمعات العربية الإسلامية، المراكز الأولى، فى انحدار نوعية الحياة، والتفكير العنصرى، والتحرشات الذكورية، والجمود الثقافى، والتدهور التعليمى؟.. وحتى فى نتائج المونديال لعام 2018؟!
لماذا تتقدم، وتبدع، مجتمعات، لا يوجد بها، أزهر شريف؟. أو دار إفتاء؟. أو مجمع للبحوث الإسلامية، أو مدينة للبعوث الإسلامية، أو إذاعة للقرآن الكريم؟. أو جمعيات شرعية، وأحزاب بمرجعيات دينية؟
لماذا تتقدم وهى لا تنظم مسابقات لحفظ التوراة، وحفظ الإنجيل، وحفظ «القرآن»، وحفظ «الجيتا» كتاب الديانة الهندوسية؟... وليس لديها معاهد لتأهيل «الدعاة الدينيين»؟.
مجتمعات ترتقى، مع أنها، لا تغطى الفتيات، والنساء، بالحجاب، والختان، والنقاب، وتعدد الزوجات، وطاعة الذكور، وقوامة الرجال!!
مجتمعات لا يكمن شرفها المقدس، فى دم عذرية الإناث.. ولا يوجد بها، بوليس «آداب»، أو «أفعال فاضحة فى الطريق العام»!
بينما لا يوجد بها، جهات لإزالة، أبشع المشاهد فضائحية، علنية، وهى اتساع الفجوة بين منْ يقضى الصيف فى منتجعات الساحل الشمالى، ومنْ يقضيه على سواحل الترع الملوثة!!!
أطفال حفاة، شبه عرايا، يبحثون عن لقمة بين أكوام القمامة، أليس هذا «فعلاً فاضحًا»، فى الطريق العام؟ طوابير الفقراء من النساء والرجال، التى تقف على أبواب مستشفيات، ليست مجهزة بأساسيات الإسعاف الطبى، أليست «أفعالا ضد الآداب العامة»؟!!
لماذا فى المجتمعات العربية الإسلامية، تُنفق المليارات، على فك أعمال السِحر، والعجز الجنسى، وبناء دور العبادة.. وفى مجتمعات أخرى تُنفق على بحوث قهر السرطان والأمراض المستعصية، وتسهيل حياة المعاقين، وتأهيل المواهب المتنوعة، وإنتاج الفنون الرفيعة؟
لماذا نتكلم عن «عذاب القبر»، لا «عذاب الفقر»، أو «عذاب القهر»؟. لماذا «نرجم الشيطان»، ولا «نرجم الوصاية الدينية»؟! لماذا نحن طول الوقت، عكس المجتمعات المتقدمة المبدعة، فى حالة الدفاع المتحفز المستميت، عن ديننا، وعن رسلنا، وعن أنبيائنا، وعن أخلاقنا، وعن فضائلنا، وعن ماضينا، وعن رموزنا، وعن آثارنا، وعن أبطالنا؟. مع أن أقوى دفاع عن أنفسنا، هو أن نتقدم، ونرتقى، ونتحرر، وننتج، ونبدع، دون الالتفات لمنْ يتقول علينا.
لماذا نتقدم فى تجديد الخطاب الدينى، خطوة، واحدة. ثم نتراجع فى اليوم التالى، عشرات الخطوات؟
أعتقد أن السبب، هو أن تفكيرنا، ومشاعرنا، «متأرجحة» بين أحكام السماء، وقوانين الأرض.
السبب، هو أننا «على السطح»، نبدو دولة مدنية. لكننا «فى الأعماق»، دولة دينية، حتى ولو لم يجلس على الحكم، «رجال الله»، والمشايخ، وأصحاب الذقون واللحى، وأهل السلف. هم يكفيهم الآن، الجلوس على عرش العقول، والقلوب، والمزاج العام.
نحن نتكلم عن ضرورة إقامة، دولة مدنية حديثة. لكن الواقع، هو أن العقلية المصرية، منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى، وحتى الآن، تم «غزوها»، و«احتلالها»، و«تجريفها»، لإنشاء دولة دينية إسلامية سلفية، لا دولة مدنية.. دولة قال الله وقال الرسول، وليست دولة قال القانون وقال الدستور. دولة الفتاوى الجاهزة المعلبة، الجامدة، المغلقة، المتجهمة. وليست دولة العقل، والمنطق، والعدالة، والحرية، والفرح. دولة تكفير وليست دولة مواطنة. دولة «ديانة». وليست دولة «وطن».
دائما نردد أن مجتمعاتنا، لا يحدث لها أى تقدم، ما لم تتوافر الإرادة السياسية من الدولة. لقد توفرت الرغبة، والإرادة، والضوء الأخضر، من رئيس الدولة، شخصيا، الرئيس السيسى، حينما طالب بتجديد الخطاب الدينى، آخر عام 2014. وبعد أربع سنوات، لم يحدث شىء، إلا بلاغات ازدراء الأديان.
وعندما أراد الرئيس السيسى، إلغاء الطلاق الشفوى، لحماية الأسرة المصرية، وتخفيف الذكورية الجامدة المتعصبة، فى قوانين الأحوال الشخصية فى عام 2017، اعترضت المؤسسات الدينية، الرسمية، غير الرسمية. وكيف هذه الأحوال اسمها «أحوال شخصية»، لكنها لا تخضع للأشخاص المعنيين، بتكوين أسرة، ولكن للمؤسسات الدينية فى الدولة؟
إذن نحن أمام «عقلية» دينية، سائدة، تحولت من «استشارة غير ملزمة»، إلى سلطة تتحكم وتسيطر. وهذا هو لب الدول الدينية.
وهذا هو جوهر الإعاقة الحقيقية، لأى تقدم فى الأفق. وهذه العقلية، تتعمق كل يوم، بإعلام دينى إرهابى متضخم ممنهج، ممول بسخاء، من حلفاء الدولة الدينية، فى الداخل، والخارج. كل مهمته، التربص بأنصار الدولة المدنية، مستخدمًا الشتائم البذيئة، والتكفير المحرض على القتل، والاتهامات الأخلاقية، الزاعقة.
ولماذا مواطنة مصرية وكاتبة مثلى، لا ترفع للنائب العام، بلاغًا عاجلاً، اليوم، يتهم كل منْ يعمل لتقويض الدولة المدنية، والتمهيد للدولة الدينية، «بازدراء التقدم الحضارى»، و«إنكار ما هو معلوم من المواطنة بالضرورة»، و«الإساءة إلى أغلى المقدسات – الحرية»؟!>