
د. مني حلمي
30 يونيو.... انتصار الدولة المدنية على الدولة الدينية
فى 30 يونيو 2013، فتح التاريخ أبوابه، الذهبية، للشعب المصرى، لكى يقول حكمه النهائى، النافذ، ضد سماسرة الأوطان، وتجار الدين، ولصوص الحضارة.
فى 30 يونيو 2013، أجهض الشعب المصرى، مؤامرات تقسيم الوطن، إلى ولايات دينية، وإمارات مذهبية، التى تحرق علم مصر، وترفع الأعلام السوداء، المستوردة، من أزمنة الصحراء.
فى 30 يونيو 2013، أنقذ الشعب المصرى، الفتيات، والنساء، المصريات، من حضارة «تكفين» المرأة، وهى حية تُرزق.
فى 30 يونيو 2013، أوقف الشعب المصرى، «المزاد»، الذى كان منصوبًا لبيع مصر، بالجملة، وبالقطاعى.
ثورة 30 يونيو 2013، أود أن أسميها «الساحرة»، التى حولت التراب، إلى ذهب. والأجساد المحتشدة إلى «محميات» صامدة. والعيون إلى شرارات من لهب.
«ساحرة»، أخرجت من جعبة المصريات، والمصريين، تمردًا مختزنًا ، من آلاف السنين، ومقاومة، كانت مخبأة، تحت طبقات صدئة من الخوف، والاستسلام.
« ساحرة »، استطاعت أن تحمل الملايين على ظهرها، لتذهب بهم، إلى أرض، لا يغيب عنها، حلم الحرية.
«ساحرة»، غسلتنا بزيت الياسمين، وماء الورد.
من الطبيعى جدًا، أن يصفها المتضررون من سِحرها، بـ«الانقلاب».
وليكن الأمر. نعم، انقلاب. لكنه أكبر، انقلاب «شعبى»، منذ فجر التاريخ.
نعم، انقلاب. انقلاب على العبودية، والمذلة، والتبعية.
نعم، انقلاب. انقلاب على السرقة، والفساد، والنهب. ما أجمله من انقلاب، يقلب الأشياء، لكى «تتعدل»، و«تستقيم».
حتى الآن، لم يعرف أحد، سر بناء الأهرامات. وكذلك الأمر مع الشعب المصرى. لا أحد توصل، إلى أسراره، التى تستعصى على الفهم، والتنبؤ.
30 يونيو 2013، لم تكن ثورة، فقط على الاستبداد الملتحف بالدين، لكنها كانت ثورة، لحماية «الوجود» نفسه. وثورة، لحماية آلاف السنوات من الحضارة المصرية القديمة، التى كانت «أقدم»، و«أعرق»، و«أعدل»، الحضارات. وثورة، ضد انطفاء مصابيح الاستنارة. وثورة لاستعادة وطن، مكون من ثلاثة حروف... مصر.
نزلت الملايين إلى الشوارع، فى 30 يونيو 2013، دون استئذان، أو تحريض من نخبة سياسية، أو نخبة ثقافية، أو نخبة دينية. بل إن الثورة قامت، لتضع حدًا، لهذه النخب الخربة، الانتهازية، التى تأكل على كل الموائد، وتصفق لكل نظام، وتغازل التأسلم السياسى، وتعمل «حائط صد»، «يغلوش»، على موجات الفكر الثقافى، النزيه، المبدع، المتمرد.
نزلت الملايين فى الشوارع، بـ«عفوية» الأطفال، و«عنفوان» الشلالات، و«صمود» الجبال.
احتشدت الملايين، لتكمل الثورة «البكرية»، المولودة فى 25 يناير 2011، ولكى تعلن لكل منْ يهمه الأمر، أن «النهر» الثورى، سيظل متدفقًا، فى شرايين المصريات، والمصريين.
علمتنا ثورة 30 يونيو، أن مصر، لا «تتكيف» مع الأوضاع، والحسابات، والمصالح. ولكن على الأوضاع، والحسابات، والمصالح، حتى تستمر، أن «تتكيف» هى، مع «الجينات» المصرية.
هناك تيارات سياسية، معروفة التوجه، والتمويل، تنفق على قنوات إعلامية فضائية، لا حصر لها، متخصصة فى ترويج الشائعات ضد مصر، والجهر بالفرح والشماتة، حينما نتعرض لأى مشكلة، أو أزمة.
وهناك القنوات الإعلامية الدينية الزاعقة، التى تملأ الفضائيات، والتى تخصصت فى تمهيد الأرض للدولة الدينية مكتملة الأجزاء، وإعادة شعار «الإسلام هو الحل»، و«الخلافة الإسلامية هى الغاية»، وتلفيق اتهامات الكُفر، والعمالة، وخلق الفتن، وفرقعة الإثارة، ضد شخصيات الدولة المدنية.
لقد تسببت ثورة 30 يونيو، فى إحداث خيبة أمل كبرى، لكل هؤلاء، والمتحالفين معهم.
هذا الصراع المشتعل، بين أنصار الدولة، المدنية، وأنصار الدولة الدينية، أراه شيئًا إيجابيًا، لصالح مصر. فالصراعات تفضح ما كان مستترًا، ومتسترًا. والصراعات تكشف حقيقة الأصدقاء، والأعداء. والصراعات، تغربل، وتنقى، وتطهر.
لكن الوطن سوف ينتصر. والسبب بسيط جدًا... أن مصر إلى جانب الحياة. والحياة مهما انتكست، لابد أن ترجع أقوى مما كانت. لا أحد مهما كان جبروته، يستطيع أن يهزم قوة الحياة، ورغبتها فى التقدم، والتحرر. هكذا تطمئننا صفحات التاريخ ، قديمًا ، وحديثًا.