الأربعاء 18 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
كيف عاش «رمضان» الصغير فى شهر رمضان؟

كيف عاش «رمضان» الصغير فى شهر رمضان؟


أنا، وصديقتى، «فريدة»، فى سيارتها الصغيرة التى تمشى بالبركة، ودعاء الأم، نتأمل رمضان، بعد الافطار.
ليل رمضان، نهار مشرق بالأنوار، والحركة الهاربة، من حر البيوت، واستبداد الإعلانات، وحصار المسلسلات.
أتأمل عالم رمضان، من السيارة الصغيرة.عند إشارات المرور، تمتد يدان، إلى داخل السيارة. ويد تحمل الورد ، تطلب شيئًا من عبير الحياة. يد تحمل طفلًا رضيعًا، بائسًا، تطلب التبرع لإقامة مسجد.
 أوقفت «فريدة»، السيارة، أمام محل العصير. أرتشف القصب، كأننى أروى ظمأ، سنوات، من الزمن الضنين. بينى، وبين عصير «القصب»، عشق، وتناغم، وحنين. لا أستطيع تخيل الحياة، دون عصير القصب. أحيانًا، أشتاق إليه، فى عمق الليل، فأنزل مسرعة إليه. لا أدرى، لماذا، حينما تمسه شفتاى، فورًا، أشعر بالتصالح مع العالم. وأننى على «تواصل»، مع كل الأشياء، «الأصيلة»، «الخيّرة»، «الطيبة ».
وأتساءل دائمًا، ألهذا علاقة، بأننى أعشق عشقًا جامحًا، للموسيقار الفريد، «القصبجى»؟
 عشرات السيارات، تتزاحم، على المحل. على الزجاج الخلفى لأغلبها، كُتبت عبارة: «لا إله إلا الله.. محمد رسول الله».
 تجمدت عيونى، على ولد صغير، فى يده السمراء، فوطة لا لون لها، يمسح زجاج السيارات. لا يزيد عمره، على ثمانى سنوات.جلبابه القصير، يكشف عن جسمه النحيل، أكثر مما يستره. شعره، أسود ناعم، منسدل على جبهته العريضة. حافى القدمين. فى عينيه، شىء من بريق، وسؤال، وخطوة حائرة، تضل الطريق.
اقترب الولد، من سيارتنا، وبدأ يمسح الزجاج الأمامى.
لمح فجأة،إحدى السيارات تهم بالرحيل. تركنا، وجرى إليها. مد يده السمراء، المتسخة، إلى صاحب السيارة، المحاط بخمسة أطفال.
 نهره السائق، بغلظة: «عايز إيه يا واد أنت؟ مش كفاية وسختلى إزاز العربية بالفوطة بتاعتك دى... جاتكم القرف..
أوع من سكتى خلينى أفوت». على الزجاج الخلفى للسيارة، ملصق مكتوب عليه «رمضان كريم».. بجانبها، صورة اللاعب، محمد صلاح.
 بخطى بطيئة، عاد الولد إلى سيارتنا، ليكمل تنظيف الزجاج.
فى عينيه، دموع تأبَى البكاء. أتأمله، وهو يمسح التراب. أقول لصديقتى: «بيخلفوا من صلبهم، ولحمهم، ودمهم.. وملايين من الأطفال زى الولد ده، عايشين فى الشوارع»، ترد «فريدة»: «عايزاهم يصرفوا فلوسهم على طفل مش من دمهم». قلت: «وليه لأ ؟».
 سيارة فاخرة، تقتحم المكان، تقودها امرأة شقراء، بجانبها فتاة محجبة، تحمل طفلًا رضيعًا. فى الوراء، يجلس رجلان. أحدهما ملتحى، ويدخن.
المرأة تضرب بعنف، وعصبية، نفير السيارة. جاءها الجرسون، مهرولًا فى اعتذاره، رُغم أنه، لم يخطئ.
نهض الولد من مكانه، وذهب لتنظيف السيارة. قالت السائقة: «أف... يحنن... بلاش عكننة بقى.. انتو ايه مبتخْلصوش؟.. طبعًا ما هو ده موسم النصب بتاعكم.. إحنا ناقصين شحاتة».
 رد الولد: « أنا مش باشحت». ومسرعًا ترك السيارة، وجلس على الرصيف.
والسيارة تترك المكان، قرأت على الزجاج الخلفى: «لا تنس ذكر الله»؟.
دفعنا ثمن العصير، ناديت على الولد. أعطيته مبلغًا ما، تقاسمته مع صديقتى. نظر باندهاش قائلًا : إيه ده؟ كل ده ليّا أنا؟ عشان إيه؟ ده كتير... وربنا المعبود وحياة الأيام المفترجة دى ورحمة أبويا.. أنا مش باشحت».
قلت: «أنا عارفة.. دول عشان تشترى جلابية وشبشب».
قال: «كفاية شبشب، وأجيب لأمى الجلابية، ولأختى هنية البرشام، وأجيب كنافة لأخويا محمد، وعبدالرحمن».
 تحركت السيارة. طلبت من صديقتى العودة. سألت الولد: «نسيت أسألك اسمك إيه» بابتسامة طفولية هادئة قانعة قال «اسمى رمضان».