الأربعاء 18 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
تلوث البيئة بـ«التعصب الدينى»!

تلوث البيئة بـ«التعصب الدينى»!


هذا العام، تستضيف الهند احتفالات اليوم العالمى للبيئة، وهو الموافق 5 يونيو من كل عام. وقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم، أول مرّة، فى 1972، فى استوكهلم - السويد، ليكون بمثابة تعهد عالمى من جميع الدول، التى تعيش معًا على كوكب الأرض، بالحفاظ على حياة بيئية نظيفة، صحية، متوازنة.
هذا العام، يتم الاحتفال تحت شعار: «القضاء على التلوث البلاستيكى».
حيث يستهلك العالم كل عام 500 مليار كيس من البلاستيك، وكل دقيقة نشترى مليون زجاجة بلاستيكية.. وأنتج العالم من البلاستيك، خلال السنوات العشر الأخيرة، ما يزيد على إنتاج القرن العشرين كله. والنفايات الضارة التى يولدها الاستهلاك المفرط للبلاستيك، 10 % من إجمالى النفايات، وهى تُلقى فى البحار، والمحيطات، مما يلوثها، ويهلك الكائنات البحرية، ويؤذى صحة البشر.
بعد 46 عامًا، من التركيز على ضرورة حماية البيئة، والموارد الطبيعية،  يؤسفنى القول بأن أحدث الدراسات البيئية، تؤكد أن ما يسببه البشر، من انتهاكات للتوازن الطبيعى للبيئة، وأنماط الإنتاج، والاستهلاك، هو مسار حتمى، نحو تدهور الحياة، بل انهيارها على كوكب الأرض.
وإذا لم يغير البشر، من عقلية التعامل مع الطبيعة، والموارد البيئية، فإن الحياة ستصبح مستحيلة للجميع فى المستقبل القريب. الأمر الذى لا يترك للدول، سواء المتقدمة صناعيًا، أو الأقل تقدمًا، رفاهية الاختيار.
ولكن تغيير العقلية السائدة تجاه الحياة، غير ممكن فى ظل المقاييس غير المتكافئة، التى تحكم العلاقة بين الدول الصناعية الكبرى، والدول النامية الصغرى. وهو أيضًا غير ممكن، فى ظل عدم توافر العدالة الاجتماعية، على مستوى البلد الواحد . وهو ما يعبر عنه فى «أدبيات» البيئة، بأن ما هو «عالمى»، يوجد فى «المحلى».
ومع ضرورة تغيير النظم الاقتصادية والاجتماعية التى تحكم العالم، وحتمية تغيير العقلية تجاه الطبيعة والبيئة، هناك أهمية كبرى لتغيير العادات الشخصية السلوكية للأفراد. لا بُدّ أن تصبح رعاية البيئة والحفاظ عليها، جزءًا متأصلا فى الوجدان، يظهر تلقائيّا فى أبسط سلوكيات الإنسان. وليس مجرد إيمان نظرى يفتقد المصداقية فى الواقع. وتبدأ هذه السلوكيات من البيت، وتمتد إلى الشارع وأماكن العمل والتجمعات المختلفة. فالتغير هو فى النهاية، مجموع الأفعال الفردية المستمرة، والموجهة، نحو هدف محدد. وهذا ما نقصده بسد الفجوة الكبيرة، بين ما هو «عام»، وما هو «خاص»... وبين ما هو «سياسى»، وما هو  « شخصى».
لقد أصبح الاستهلاك «هوسًا»، فى حَدّ ذاته، وغاية نلهث وراءها، لتبقى المصانع الرأسمالية، تدور، وتدر بالأرباح المتزايدة، المتراكمة، ولحل مشكلات نفسية عديدة، أولها، الإحساس بالعجز، وعدم التحقق، والخواء الداخلى.
إن الإنسان السعيد، المتحقق، المتناغم مع الأشياء حوله، يعيش حياة بسيطة، ولا يحتاج إلا أقل القليل من الاستهلاك.
هناك تيار يعرف باسم التيار النسائى البيئى، والذى يفسر انتهاكات البيئة، بأنها من إفراز العِلم الذكورى، ذى النظرة  الاستعمارية، للأرض والطبيعة والهواء والبحار والطيور والأشجار والنساء.
فالطبيعة، والموارد البيئية، «أنثى» حاضرة للاغتصاب، وإيقاع العنف، والأذى. الطبيعة، والمرأة، فى الحضارة الرأسمالية الذكورية، جبهتان على الرجل أن يقهرهما، ويخضعهما، كما تُقطع الأشجار، والغابات، تُقطع أجساد النساء بالشهوات الذكورية، والختان الجسدى، والنفسى، والثقافى، ولذلك فإن تحرير الطبيعة، وتحرير النساء، غير ممكنين دون نسف القيم الذكورية، التى لم تنتج طوال تاريخها، إلا التدمير، والقتل، والحروب، وجيوشًا متزايدة من الفقراء، والمرضى، والتعساء.
إن الفقر، والقهر، وانعدام العدالة، والتفرقة الدينية، والتعصب الدينى، وغياب الحريات، لهى من الملوثات البيئية الأولى، والكبرى، وأخطر من إلقاء المواد البلاستيكية، فى البحار، والمحيطات، التى سيناقشها اليوم العالمى للبيئة، فى الهند، فى 5 يونيو 2018.
إن البيئة الصحية المتوازنة الآمنة، ليست مجرد البيئة التى تخلصنا من الغازات، والمواد السامة، ولكنها بيئة أساسها، «الحرية»، و «العدالة».