د. مني حلمي
النساء بين شفط الدهون وشفط الخضوع
إن غالبية النساء، المتعلمات، المشتغلات، بمهنة يتكسبن منها، موردًا للرزق، يفخرن، أنهن «مُلزَمات» من الرجال، وأنهن غير «مجبرات»، على الإعالة، والإنفاق، فى بيت الزوجية . وإذا حدث، وأنفقن، فهذا من باب التفضل، والتكرم، على الرجل، ولكن «فتْح» البيت، اقتصاديّا، هو مهمة «ذكورية» خالصة.
إن غالبية النساء، تسعدهن فكرة «قوامة» الرجل على المرأة ويعجبهن كثيرًا، أنهن «مثيرات» للفتنة، التى يجب سترها بالحجاب، أو بالنقاب. وعدد كبير من النساء، السافرات، غير المحجبات، وغير المنتقبات، يستهلكن مستحضرات التجميل، للتأكيد على أن «هويتهن»، الأساسية، هى الهرولة خلف إسعاد، وإرضاء، العيون الذكورية. وهنا أتذكر مقولة كاتب ساخر، وفيلسوف أحبه، لأنه يشبهنى فى تأملاته، ومزاجه «هنرى تشارلز بوكوفسكى 16 أغسطس 1920 - 9 مارس 1994... حين كتب: «عندما تكفّ النساء عن حمل المرايا أينما ذهبن، ربما أصدق حينئذ حديثهن عن الحُرية».
وماذا نقول، عن نساء يلقين المحاضرات، عن تغيير الوضع الأدنى للنساء، ثم يذهبن إلى البيت، يمسحن حذاء الزوج ، ويُدلكن قدميه؟
وهناك نساء تخصصن فى القانون، ويشتغلن بالمحاماة دفاعًا عن حقوق الغير، لكنهن فى الزواج، يرفضن أخذ العصمة، ولا يحترمن الزوج الذى يَقبل، أن تكون العصمة، فى يد زوجته . وكثيرًا ما نرى نساء عضوات فى جمعيات، تحارب العنف الممارس، ضد المرأة، لكنهن يتعرضن للضرب، والزعيق، والإهانات اللفظية ، من قِبَل الأب، أو الأخ، أو الزوج.
وعلى شاشات التليفزيونات، تطل علينا نساء غاضبات، من استكانة المرأة، ويطالبن بضرورة تغيير المجتمع الذكورى، وهن «مكبلات»، بالكعوب العالية، «مقيدات» بالحلقان، والأساور، والشخاليل، التى تتحرك، وترن، كلما تحركن؟
الحرية، وعىٌ، وجهدٌ، وشُغلٌ، وعَرقٌ، وتحمُّل مسئولية الحرية. الحرية، مقاومة مستمرة يومية، لكل تجليات القهر، والتنميط الموروث.
إن عدم مبالاة غالبية النساء، بالحرية الحقيقية، هو المسئول الأساسى، عن دونية المرأة، وتخاذل إحساسها بالكرامة، وعن استجابتها المستمرة، لأن «تطيع»، كونها جسدًا يُعرى، أو جسدًا يُغطى . أو جسدًا، خُلق من ضلع «أعوج»، يتولى الرجل «عدله»، لتلبية احتياجاته الجنسية، وخدماته المعيشية، وحَمْل الأجنة، التى تحمل اسمه، وتمد وجوده فى الدنيا الفانية.
إن شهوة التحرر، لا تحتاج إلى وعى معقد، أو منطق غارق فى التفلسف العميق.
لماذا تتأرجح النساء، بين عصر «الحريم»، وعصر «الحرية»؟.
عصر النساء المستقلات اقتصاديّا، يقبضن بالدولار، دون مسئولية الإنفاق؟. يتكلمن سبع لغات، ويَسبحن بالمايوهات الشرعية.. عصر العباءات والأكمام الطويلة، والطموح القصير؟ عصر الماجستير من السوربون، والدكتوراه من أوكسفورد، لكن التقاليد من كَفر البطيخ؟ عصر النساء المتخصصات فى البرمجة، وأعقد تكنولوجيات الكمبيوتر، لكن «السّتر» فى بيت الزوج، هو «كلمة السّر»، التى تفتح السعادة، والاستقرار؟.
عصر تصحح النساء فيه، قِصر النظر، بالليزر، ولا يُصححن قِصر الكرامة؟ عصر يتيح للنساء، شفط الزائد من الدهون، دون جراحة، مع الإبقاء على شحم الطاعة؟ عصر أظافر طويلة مدببة، ولا تخدش موروثا ذكوريّا واحدًا.. عصر الإنجاب خارج الرّحم، والوجود خارج التاريخ؟ عصر نساء يَسبحن فى السماوات المفتوحة، ويُضربن فى البيوت المغلقة؟ عصر الزوجات تخدمهن خادمات من الفلبين، يركبن السيارات فى حجم الدبابات، و يلجأن للشيوخ، لإعادة الزوج الذى هجرهن فى المضاجع؟ عصر تحتفل فيه النساء، بعيد فالنتين للحب، وهن يُحرّمن الحب على بناتهن، وأولادهن، الذين يرتادون مدارس لغات دولية؟.
إن أجمل، وأعظم، ما فى الحرية، أنها لا تذهب، إلا لمنْ يستحقها.
ومَنْ يستحقها، لا بُدَّ أن يخوض أولا، معركته الأصعب، مع نفسه.
من واحة أشعارى:
بعد عشر سنوات
من الجنون ومرارات الصبر
ارجع ليلة واحدة
ثم عُدْ إلى القبر.







