
د. مني حلمي
فى يوم ميلاد «فريد».. أنت «حكاية غرامى»
اليوم 21 أبريل، يوم ميلاده.. يوم أن قررت الحياة أن تهدينا واحدة من هباتها الغالية.. وأن تمتعنا، وتسعدنا، دون أن تسأل هل نستحق؟.. وهل نستطيع الحفاظ على هذه الهبة، من أتربة الزمن، ونشاز الجحود؟
فى يوم ميلاده، ماذا أكتب؟!.. لولا موسيقاه، وألحانه، كنت انقرضت منذ زمن بعيد. أو على الأقل، عشت العمر، محرومة من نشوة الروح، ومتعة الشجن؟
فى يوم ميلاده، أريد أن أحتفى به، بالقدر الذى يليق، بأمير من أمراء سلالة عريقة، وبموهبة استثنائية، فى العزف، وفى التلحين، وفى التأليف الموسيقى.
ماذا أكتب، عن «فريد»؟.. وقد كان «أول همسة»، من همسات قلبى العاشق، وهو «حبيب العمر»، على الدوام، و«حكاية غرامى»، التى تحيرنى، وبها على الملأ أتشرف، وأزهو.
حينما طلبت تذكارا منه، أهدانى «لحن الخلود»، و«لا وعينيكى يا حبيبة روحى».
كلما اعترفت بحبه، يأتينى بصوته الحنون «إياك من حبى».. لا أصدقه، لأنه فى اليوم التالى، يصالحنى بأغنية «قسمة مكتوبة».
معى، فى ليالى الأرق، وعذاب الفراق، يواسينى، برائعته «سألنى الليل».
أما، «أحبابنا يا عين»، فهى صديقتى الحميمة، فى أوقات اليأس، وأزمنة الضجر.. وحينما أريد، بعضا من الإرادة، والقوة الروحية، على أنغام فى غاية الرقة، أجرى وأسمع «أيامى الحلوة انساها وريح قلبك»..
لو هجرت عادتى اليومية، ولم أسمع صوته، يطرق بابى هامسا «تعال سلم»...
عندما أسافر، يشدو : «يا خوفى بعده ليطول». وعندما أرجع، لا أجد أحدا فى انتظارى، إلا صوته مرحبا «وحياة عينيكى مشتاق إليكى».. وفى يوم ميلادى، لا رفيق معى، إلا هو، يعزينى بواحدة من أروع ألحانه «عدت يا يوم مولدى».
كيف أحتفى به، وهو «بلبل أفندى»، الذى يكسر الذكورية، بمشاركة حبيبته، غسل الأطباق، مرتديا مريلة المطبخ ؟!
أحس «فريد»، أن شقيقته أسمهان، توأم روحه، تلك اللؤلؤة الفريدة، قصيرة العمر، فأهداها عصارة موسيقاه، وألحانه.
«الشمس غابت أنوارها»... «ياللى هواك شاغل بالى».. «إيدى فى إيدك».. «يا بدع الورد»... «ليالى الأنس فى فيينا».. «أنا أهوى».
تساءل الناس: «الأخ وأخته.. بهذه الروعة من الأسرة نفسها.. العائلة نفسها.. الموهبة الطاغية نفسها ؟!!». نادرة من نوادر الزمان. وواحدة من عجائب، عائلة الأطرش.
أما، نور الهدى، فقدم لها، تحفة فنية: «يا ساعة بالوقت اجرى».. حيث يبرع «فريد»، فى تطويع الموسيقى للتعبير عن لهفة الاشتياق إلى الحبيب.
كان «فريد» كريما فى حياته الخاصة. وكان كريما سخيا، فى الإبداعات اللانهائية، التى تركها لنا.
من مقولات فريد:
«لا أتزوج لأننى تزوجت الموسيقى، ولست أؤمن بتعدد الزوجات»...
«منْ يريد تخليد فريد الأطرش، يعيد إذاعة موسيقاه وألحانه»....
«موسيقاى وألحانى، تتحدث بالنيابة عنى»...
«موسيقانا العربية هى فعلا موسيقى عالمية»..
ليس مستغربا أن يموت «فريد» بداء فى القلب. لم يكن يغنى بحنجرته، وبأحبال صوته.. ولكن بقلبه المحمل بالشجن، والحيرة، والغربة. وعزفه المبهر، كان فى الحقيقة، عزفا على أوتار قلبه، وليس على أوتار العود. قلبه، الذى ظل مؤرقا، قلقا، وحيدا، رغم المجد، والشهرة، وحب الناس. ولهذا القلب يغنى «فريد» «مخاصمك يا قلبى ومش راضى عنك.. كل شىء له ثمن». و«فريد»، دفع مع أخته أسمهان، ثمن تلك النادرة من نوادر الزمان.. الزمان، وإحدى عجائب العائلة الأطرشية العريقة.
سيكون «غناء القلم»، اليوم فى يوم ميلاده، «غِناء فريدا، أطرشيا، حصريا».