الأربعاء 18 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
حتى شرلوك هولمز لا يحل هذا اللغز المحير

حتى شرلوك هولمز لا يحل هذا اللغز المحير


مع كل احترامى، وتقديرى، وأيضًا حُبِّى، لشخصية شرلوك هولمز، من إبداع د . آرثر كونان دويل، الذى يَحِلُّ غموضَ الجرائم، ويَفُكُّ أعقدَ الألغاز، إلا أنه حتمًا سيفشل فى حَلّ لُغْزٍ يُحيرُنى.
شرلوك هولمز، دائمًا يؤكد لزميله، ومساعده، د . واطسون، أنه ليس مخلوقًا خارقًا  للطبيعة، ولا هو بساحرٍ، ولا هو كاشفًا للغيب. بتواضع العظماء، يعترف أن قُدراته فى حَلِّ الألغاز، ليست إلا الاستنتاجات العقلية المنطقية، والملاحظات الدقيقة، والاهتمام بالتفاصيل، وإيجاد علاقات بين أشياء، يبدو من الظاهر، أنها لا ترتبط ببعضها البعض .
ولكنّنى لا أزال أعتقد، أن شرلوك هولمز، مع كل وسائله، ونظامه المنهجى، وطُرُقه المثيرة للإعجاب، التى ثبت نجاحُها، فى حَلّ كل القضايا التى عُرضت عليه، إلا أنه سيقف عاجزًا، أمام هذا اللغز، الكبير.
واللغز هو سؤال منطقى.. كيف نعانى من الانحدار الأخلاقى، فى مجتمع مُتخَم، وبمكبرات الصوت، بالحديث عن استقامة الأخلاق.. والدعوات الدينية إلى محاسن الأخلاق، والفتاوَى المنهمرة علينا فضائيّا، وأرضيّا، عن أهمية وضرورة مكارم الأخلاق، وخُطَب الجمعة كل أسبوع، التى تنادى بحُسن الخُلُق؟؟.
اللغز الذى يحيرنى، هو كيف مع انتشار، واستمرار الوازع الدينى، وفى كل شِبر فى مصر، ويخيف الناس من العقاب الإلهى الشديد، لو تركوا الطريق المستقيم، نجد أن الطرُق غير المستقيمة فى كل مجال؟؟.      
كيف فى مجتمع، يميزه «التضخم»، فى اللغة الدينية، نجد «ركودًا»، فى اللغة الأخلاقية؟؟.
كيف لمْ تتغلغل المُحفزات الدينية، الأخلاقية، إلى جذور الوجدان من الداخل؟؟.
لماذا لمْ يتحول الخطاب الدينى الأخلاقى، فى المساجد، والجوامع، فى المُدن، والأرياف، وفى جميع وسائل الإعلام المقروءة، والمسموعة، والمرئية، إلى سلوكيات نظيفة، كريمة، نبيلة،  رحيمة، خالية من العنف؟؟.
قِلّةٌ من الناس، مَنْ يفعل الخير، حُبّا فى الخير ذاته، لكن أغلبهم يفعلون الخير، لأنه يقودهم إلى الجنة، فى الآخرة، ويباركهم بالهدايا، والمكافآت الربانية، فى الدنيا . ومع ذلك، تجىء أفعالهم، وأقوالهم، ونواياهم، كأنها زاهدةٌ فى نعيم الآخرة، وثواب الدنيا. ما هذا التناقض المُحير؟.
هل يستطيع شرلوك هولمز، تفسير كيف فى مجتمع منشغل بالطقوس الدينية، الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، والعُمرة، ينحدر أخلاقيّا؟؟. 
طوال الوقت نسمع «لا إكراه فى الدِّين».. وأن «الدِّين لله والوطن للجميع»، ولكننا نعيش  التعصب، والتكفير الإرهابى .
كان لا بُدَّ لمجتمعاتنا، بكل طقوسها الدينية، أن تصبح أفضل المجتمعات أخلاقيّا، هذا لمْ يحدث.. لماذا؟؟.
عندما تفضح وسائل الإعلام، امرأة فاسدة، أو رجلاً فاسدًا، فإنّنى أسمع أصواتًا تقول: «ليس العيب أنه سرق أو اختلس، أو أخذ رشوة.. العيب أنه لم يكن حريصًا بالقدر الكافى حتى لا يُكتشف أمْرُه».
أطباء يُعلقون آيات قرآنية، على الحائط فى عياداتهم، وهم يستنزفون فلوس، وصحة المرضى!.
 مستشفيات تضع على الحائط، صورة الحشود فى الحج، وترمى المرضى فى الشارع، قبل دفع آلاف الجنيهات تأمين!.
محلات تغلق أبوابها وقت صلاة الجمعة. وبعد الصلاة تواصل الغِشَّ فى البضاعة، وفى الأسعار.
تاكسيات تكتب على الزجاج الخلفى للسيارة: «لا إله إلا الله.. محمد رسول الله».. ومعاملة السائق خشنة جشعة.
هل تسعفنا عقلية شرلوك هولمز، لنعرف كيف أصبحت الشتائم، والبذاءات، والتهكم المهين، والاتهامات الوضيعة، والخيالات المريضة، هى لغة  «التعبير عن الرأى المخالف»؟.
أنا حقّا محيرة. مجتمع يردد: «إنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت.. فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا ».. كيف له أن تتدهور أخلاقه؟؟.
لستُ قَلِقة ًعلى المجتمع   « اقتصاديّا» . فكل أزمة اقتصادية، معروفة السبب، والحَلّ . ولا يخلو أى مجتمع من المعاناة الاقتصادية.
ثم ما جدوَى الاقتصاد المزدهر، طالما الذى ينعم به إنسان فَقَدَ نقاءَ ونزاهةَ الأخلاق؟.
قبل أن يطالب الناس بـ «انخفاض» الأسعار، يجب أن ينتبهوا أولاً إلى «انخفاض» أخلاقهم.