
د. مني حلمي
دولة الله.. ودولة الذكور
من قراءة التاريخ، يتضح لنا أن الدولة الذكورية، هى بالضرورة دولة دينية. فجميع أشكال، ودرجات الاضطهاد، والقهر للنساء، غير ممكنة، إلا إذا تلحفت بكلام الله، وتعاليم الشريعة، وسير الأنبياء.
إن الاضطهاد الذكورى، يمكن دحضه بسهولة، بالعقل، والمنطق، ومعايير العدالة. وبالتالى يمكن للنساء، أن يتحررن منه. لكن إذا تسترت الثقافة الذكورية، بالثوب الدينى، فإنها تُطاع فى خوف دون نقاش. هنا فقط تتمكن الذكورية، من إعطاء الشرعية على جرائمها، ضد النساء .. نصف البشرية. وبالتالى تضمن البقاء، والازدهار .
والاضطهاد، والقهر، فى الدولة الدينية، إرهاب يرتكز على الخوف من أوامر إلهية، تقضى بتطبيق شرع الله، ودولة الله.
إذن تطل الحقيقة ساطعة، أن كلاً من الدولة الدينية، والدولة الذكورية، تشرب من بئر واحدة، وتتعكز فى السير على العصا نفسها، وتأكل من المائدة نفسها.
دليل ذلك، هو ما نشهده دائمًا من ذكورية التيارات الدينية الإرهابية، التى تقتل من أجل الحكم الدينى، وتأسيس الخلافة الإسلامية.
فأول شىء تفعله، بل الشىء الوحيد الذى تفعله غير القتل، هو فرض النقاب على المرأة، ومنعها من التعليم، وحظر الاختلاط بالرجال، وفرض الزواج المبكر لمتعة الذكور حاملى السلاح، واستعادة ملك اليمين، وإقرار نكاح الجهاد، وغيرها من سلوكيات وفتاوى وأد النساء.
إنها حقيقة تاريخية، يتجاهلها البعض. وهى أن الدولة الذكورية، والدولة الدينية، تأتيان معًا، وتذهبان معًا. فالجذور واحدة. والهدف واحد. والأسلوب واحد.
ومن تجاربى، على مدى السنوات، أن كل منْ قابلتهم من الرجال، وكانوا يدافعون بعنف، وتعصب، عن الامتيازات الذكورية التى تقهر النساء، كانوا أيضًا، متشددين، متزمتين، متطرفين دينيًا. وعلى العكس، الرجال الذين يؤمنون بالعدالة بين الرجل، والمرأة، وينفرون من أى امتياز ذكورى، يعطيهم سلطة على النساء، كانوا فى منتهى الرحابة الدينية، والتفتح الدينى، يرفضون أى تسلط باسم الأديان.
إذن فإننا حين نحارب الدولة الذكورية، نكون فى الوقت نفسه، بالضرورة، فى حرب مع الدولة الدينية.
أندهش، من النساء والرجال، الذين يهاجمون «الدولة الدينية»، شر الهجوم. لكنهم لا يهاجمون، «الدولة الذكورية». هل هم عاجزون عن فهم وإدراك الترابط التاريخى، العضوى، الحميم، بين الفكر الدينى، والفكر الذكورى؟ أم يتجاهلونه؟ ولمصلحة منْ؟!
وهذا الموقف المتناقض، غير الواعى، هو ما يعوقنا حقًا، عن محاربة الدولة الذكورية، والدولة الدينية، من جذورها المستبدة.
نحن لا نعرف، هل مصر، تؤمن بأن الدين علاقة شخصية، أم علاقة تتدخل فيها الدولة، والوسطاء، والأوصياء، والمزايدون الذين يرفعون قضايا «ازدراء الأديان»، المتربصون المتفرغون لكل «سقطة»، و«لقطة»؟.
إن هؤلاء المتربصين بأفعالنا، وأقوالنا، باسم حماية الدين، هم فى الحقيقة، جنود الدولة الدينية. وهم أخطر «بوق» للدعاية والإعلام، لنشر الثقافة الدينية المتشددة، المتطرفة، الإرهابية. المفروض أن الأديان تحمى نفسها بنفسها. ولا تحتاج إلى محاكم، وعقوبات جنائية، وإجراءات تشويه سمعة، ونبذ اجتماعى، لكى تنشر رسالتها، التى يجب أن تكتسب معناها، وقوتها، من عدم الإكراه.
إن «دولة الله» على الأرض، غير ممكنة بدون «دولة الذكور» فى البيت. و«دولة الذكور» فى البيت، غير ممكنة بدون «دولة الله» على الأرض.
إن الفقر بكل جبروته المهين القاهر المُذل للبشر، ليس أكثر خطراً، من شرور الدولة الذكورية، والدولة الدينية.
من واحة أشعارى:
لست أنا التى تمشى فوقها الأقدار
أنا المرأة التى تمشى فوق الأقدار
لا تقتلعنى الأعاصير ولا تبللنى الأمطار
أنا بحد ذاتى المطر وأنا الإعصار
لست العاشقة التى تتأوه بالليل والنهار
بل أصنع سحر الليل وإشراق النهار
لا يخيفنى أن أفقد أعز الأحباب
هم فى دمى يتدفقون كما الأنهار
لست أيأس من شدة صفعات الألم
فكل متعتى أجدها فى الصبر والانتظار