
د. مني حلمي
«الطاعة» أعنف سلب لإنسانية وكرامة النساء
«طاعة» النساء، مقدسة، لا تمس، ولا تناقش من قريب، أو من بعيد.
ومجرد ذكرها، يعتبر رذيلة، يجب بترها، واستئصالها قبل أن تستفحل، وعقابها بأشد العقوبات.
«عدم طاعة» المرأة، اختلال عقلى، وارتباك فى الهرمونات، وشذوذ عن طبيعة النساء، وتخريب لسنُة الحياة، وتدمير للدفء الأسرى، وإطاحة بمصلحة الزوج، والأطفال، وكفر، وانحلال، وتهديد للمجتمع كله.
نتكلم عن محاربة العنف ضد النساء، بكل أشكاله، ودرجاته، وفى كل مجال، ومكان، وننسى أو نتجاهل، أن «الطاعة»، هى أشرس أنواع العنف، وأكبر تجليات سلب الإنسانية، وإجهاض الكرامة.
إن الإنجازات التى يمكن أن تحققها المرأة، تنكسر وتفقد مفعولها، على صخرة « الطاعة «. مثلا، إذا أرادت امرأة متزوجة، أن تواصل التعليم، إلى أعلى درجاته، ثم تعمل، فإنها لا تستطيع تحقيق هذا الطموح، إلا إذا وافق الزوج، وأعطاها «الإذن»، و«التصريح»، و«المباركة». وإذا لم يرض الزوج، على زيارة زوجته، لأمها المريضة، ولو مرة فى الأسبوع، ليس لها أن تعترض، أو تتذمر، أو تسأل عن السبب. بل عليها «الطاعة العمياء».
ولتذهب أمها، التى أنجبتها، وتعبت فى تربيتها، إلى الجحيم. ولو رغبت امرأة متزوجة، فى خدمة الوطن، والمشاركة السياسية، بالالتحاق لجمعية، أو حزب، والزوج لا يعجبه هذا الكلام، ويراه انتقاصا من «خدمة ورعاية» زوجته له، فما عليها إلا الرضوخ.. ولتنسى شيئا اسمه «خدمة الوطن». وإذا رفضت الزوجة ارتداء الحجاب، أو النقاب، ولكنها أوامر الزوج، فعليها الاستجابة الفورية.
وأول الصفات التى يطلبها الرجل فى الزوجة، أن تكون «مطيعة».. «بتسمع
الكلام».
وقبل الزواج، فإن الأب، يلعب الدور نفسه، مع ابنته. يستطيع أن يحرمها من كل الأشياء التى تحبها، وتتوق إليها، وتساعد على بناء إنسانيتها الكاملة، وشخصيتها السوية، مستخدما سلاح «الطاعة». بذلك يدرب ابنته، ويجهزها، إلى بيت الزوجية، «بيت الطاعة».
وتتُرجم طاعة الزوج، فى مقولة: «مراتى وأنا حر فيها».
وتُترجم طاعة الأب، فى مقولة: «بنتى وأنا حر فيها».
قلة من النساء، تمردن، على موروث الطاعة، ولم يخفن من العواقب، والاتهامات. نساء كرامتهن أغلى، وأهم، وأبقى، من «الستر، و«اللقمة»، فى بيت الزوج.
أما «طاعة» الرجل، للمرأة، فغائبة فى قاموسنا اللغوى، وتفكيرنا، وثقافتنا، وتراثنا الدينى. أو حتى فى خيالنا. ولماذا؟ لأن الرجل، «إنسان»، متكامل، وليس «عبدا»، أو «مملوكا»، أو «ناقص الأهلية». بل إن مجرد التساؤل، لماذا لا يطيع الرجل، كما تطيع المرأة، هو رذيلة، وإهانة كبرى، لإنسانيته، وعقله، ومكانته، ورجولته.
لكن «الطاعة» للمرأة، فضيلتها الوحيدة، والدليل الأقوى على أنوثتها.
«الطاعة»، من ميراث العصور العبودية، حيث يوجد «أسياد»، يمتلكون «عبيدا»، و«جوارى»، تنحصر مهمتهم فى الخدمة، والطاعة، مقابل توفير الأسياد، للأكل، والمأوى.
شىء معيب، ومهين جدا، أن تنتهى عصور العبودية. لكن ثقافة الاستعباد، والطاعة، ما زالت موجودة، بكل جبروتها، وهيمنتها، واستبدادها.
فى تونس اليوم الموافق 10 مارس 2018، تحتشد النساء فى مسيرات شعبية ضخمة، تحت شعار: «نساء تونس يطالبن بالمساواة فى الإرث».
تحية إلى نساء تونس المناضلات، اللائى استطعن بالوعى، والدأب، والإيمان بالعدالة، أن يجعلن من تونس، أكثر البلاد العربية، تقدما، فيما يخص قوانين الأسرة، وحقوق المرأة فى الدستور.
> من واحة أشعارى:
لماذا لا يتعظ الإنسان
إلا بعد فوات الأوان؟
لماذا لا يشفى الداء
إلا بعد مواسم الشقاء؟>