
د. مني حلمي
تشييع جنازة كل القيم التى تستعبدنا
إن أكبر آفاتنا، هى «الاستسلام»، إلى طرق التفكير، التى «تغلق» التفكير، لا تفتحه، «تغطى» العلل، والموروثات المريضة، لا تكشفها.
وهذه الآفة، تتضخم أكثر، عند تناولنا، للأفكار الدينية، والثقافة الدينية.
حيث يشكل الدين، فى بلادنا، أحد «التابوهات، الأسمنتية، التى تحرم، وتجرم، وتكفر، النقد، بكل درجاته، وأشكاله.
فى هذا المناخ المكبل للعقل، والخيال، يكون «تثوير الفكر الدينى»، وليس «تجديد الخطاب الدينى» هو المصطلح الأكثر دقة، وحسما، وضرورة لخلق علاقة جديدة، بين الدين، والمواطن المصرى، والمواطنة المصرية.
وإذا شئنا المزيد من الدقة، والحسم، والضرورة، فإن تثوير الفكر، بشكل عام، هو الهدف الأكبر، الذى يقود إلى أن ترتدى كل الأشياء، زى الثورة. وهذا هو ما تحتاجه مصر الآن.
ماذا نقصد، بعملية « التثوير»؟
الفكر الثورى، كما أؤمن به، لابد أن يحقق الآتى:
1 – المشى فى جنازة كل القيم التى «تستعبد» الإنسان.
2 – دفن الموروثات الذكورية، التى تهين المرأة، فى فكرها، وجسدها، ومكانتها، ودورها، وامتلاكها لمصيرها، وحياتها.
3 – استبدال العلاقات على كل المستويات، المستمدة من النسق الهرمى، بالعلاقات المبنية على النسق الدائرى، حيث الجميع على مسافة واحدة من مركز الدائرة.
4 – إحلال الأسرة الإنسانية العادلة، محل الأسرة الذكورية، المستبدة، القاهرة، القائمة على طاعة، وإخضاع، الزوجات، والأطفال.
5 – إلغاء تدريس الأديان، فى جميع المراحل التعليمية. وتنقية المناهج التقليدية، من توجهها العنصرى، الذكورى، السلطوى.
6 – الديانات، والعقائد، والمذاهب، والطوائف، والملل، الدينية، مكانها قلوب البشر، وليس أى مكان فى المجتمع، والدولة. فالمجتمعات، والدول، لا دين لها، فهى لا تصوم، ولا تصلى. وكل إنسان، يعبد ربه، داخل قلبه، وبيته.
7 – تحقيق اقتصاد إنتاجى، قائم على العمل، والإنتاج، والتصدير. وليس الاقتصاد الاستهلاكى، الطفيلى، القائم على الاستيراد، وعلى المعونات. ولابد أن يحقق، لجميع أفراد الشعب، فى القرى، والنجوع، والمدن، الحد الأدنى الكريم إنسانيا من المعيشة، والسكن، والعلاج، والمواصلات، والتعليم، والثقافة، والفن.
8 – اكتشاف القدرات الإبداعية، فى كل مجال، وإعطاؤها الفرص والإمكانيات، لابتكار حلول جريئة، مبدعة، فى مناصب صنع القرار.
9– إلغاء الرقابة على جميع أنواع الفنون، وأشكال التعبير.
10 - تشريع قوانين عادلة ناجزة، تخدم ترسيخ العدالة، والحريات فى أشكالها الخاصة، والعامة.
11 – إقرار مبدأ: « لا صوت يعلو فوق صوت العدالة والحرية والإبداع».
12 – إنشاء كيان وطنى، من الشخصيات العامة الثائرة، وأهل الفن التنويرى، لكى تراقب الأداء الثورى، بشكل يومى، وتقوم بتصحيح فورى، للانتكاسات، والانحرافات.
وعملية « التثوير »، الشاملة، فى حالة «ديناميكية»، مستمرة، وتتفاعل مع المتغيرات الجديدة.
«التثوير، له، أعداء، داخليا، وخارجيا. لكننا، إذا كنا حقا، نريد التقدم، فلابد من دفع ضريبته، بفخر، وإصرار.
فى حدائق الفكر الثائر، سوف تنمو ورود، وزهور، لم ندرك أنها، ممكنة بالأساس. لكنها تنتظرنا.
وكلما زادت الضريبة، التى ندفعها، للمضى، والتقدم على هذا الطريق الطويل الوعر، كلما أصبحت الحياة «مهمة»، و«ممتعة»... تقوينا، وتلهمنا،وتعطينا المكافأة التى نستحقها دون أن نسألها.
والتقدم، ليس هو التقدم المادى فى الصناعة، والزراعة، والبناء، والتكنولوجيا، والتعمير. ولكنه أيضا، التقدم فى الإنسانية، والثقافة، ومحاسن الأخلاق.
من واحة أشعارى:
رحل قبل أن يعرف
كم من الجبال تسلقت
كم من البحار عبرت
وصولا إليه
رحل قبل أن يعرف
كم تألمت قبل أن يأتى
وضاع وقت كثير من وقتى
رحل قبل أن يعرف
إننى لم أغن إلا لصوته
ولم يطربنى إلا الإنصات لصمته
وإن الحياة كلها تموت بموته...