الأربعاء 18 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
فيلم «أنا حُرَّة» وتصوره عن الحرية

فيلم «أنا حُرَّة» وتصوره عن الحرية


منذ أيام قليلة، شاهدتُ فيلم «أنا حُرَّة»، على إحدى القنوات الفضائية. الفيلم، قصة إحسان عبدالقدوس، ومن إخراج صلاح أبوسيف، 1959.
فى بداية الفيلم، مقدمة للمؤلف، يقول فيها، ما معناه، إن الحرية ليست غاية فى حد ذاتها. بل إننا نطلب الحرية، كوسيلة، من أجل هدف، نسعى إلى تحقيقه. قبل أن ننشد الحرية، علينا أن نتساءل: ماذا سنفعل بهذه الحرية؟.
وهذا تصور وجيه، للحرية. لكننى أختلف معه.
  فأنا أعتقد أن الحرية، غاية تُطلب فى حَدِّ ذاتها. وليست وسيلةً لخدمة هدف، مُحَدد، أو قضية معينة.
بل إن الإنسان، الحُرَّ، امرأةً، أو رجلًا، هو الذى يستطيع، أن يحقق أهدافه. هل يمكن لفتاة «مقهورة» فى البيت، أن «تحرر» وطنها، الواقع تحت الاحتلال؟
إن الحرية، فى اعتقادى، مثل التنفس. هل نسأل الإنسان: لماذا تريد أن تتنفس؟. أو نسأله: ماذا ستفعل بعد أن تتنفس؟. أو ما هو هدفك من التنفس؟. أو قُلْ لى ما هى غايتك من التنفس؟.
لنفرض، وهذا شىءٌ واقعىٌّ، أن هناك إنسانًا ما، امرأةً أو رجلًا، ليس لديه هدف يسعى إليه، هل فى هذه الحالة، نستنكر، ونرفض، مطالبته بالحرية؟. ولو كان هناك، محموعة من البَشَر، ليس لديها أُمنيات توَدُّ تحقيقها، هل نثبط عزيمتهم، ونُحبطهم، ونُحرمهم من الحُرية؟. وهل الشعوب التى لا تحلم إلا بحُرية أوطانهم، هل تظل مقيدة، وتحت الاحتلال، حتى تؤمن بقضية تُسَخِّر لها حُريتها؟
مهما حاولت، لا أستطيع إيجاد قضية، أكبر، وأثمن، من الحُرية.
    إن التساؤل : «ماذا ستفعل بحُريتك، أو ماذا ستفعلين بحُرّيِتك»، أخشى أنه يُستخدم لتكسير مجاديف الراغبين، والراغبات فى الحُرية، وأيضًا لترسيخ القَهر، والعُبوديَّة.
إن الأُسَر الذكورية، لا تتحمل كلمة الحُرية، للبنات، والنساء، من الأساس، سواءً لهن أهداف، أو لا. والحرية التى يفهمونها، هى الطاعة العمياء، والسَتر، فى بيت الزوج الحاكم بأمره، وبفلوسه، وبذكوريته.
الزوج، يندهش جدًّا، إذا اشتكت زوجته، إنها لا تشعر بأنها حُرَّة.. ألم تجد عريسًا، ينفق عليها، ويلبى مطالب البيت. يسألها: «مش حُرَّة يعنى إيه.. وهتعملى إيه بالحُرية؟ مش اتجوزتى خلاص.. وبقيتى كمان أُم؟». وهل يمكن لأُم، لا تشعر بالحرية، أن تلد، وتُربى، إلا العبيد، والجوارى؟
والملاحظ، أن الهدف من الحُرَّية، لا يُسأل أبدًا للرجل. سواءً كان شابًّا، أعزبَ، أو زوجًا، أو أبًا.
فهو يطالب بحُريته، لأنها «حق» طبيعى، للرجال، وحتى يفعل ما يطيب له، فى الوقت الذى يراه، وبالأسلوب الذى يشاء. لا أحد يجرؤ، ويسأله: «عايز حُريتك تعمل بيها إيه؟. فالسؤال فى حد ذاته، انتقاصٌ من إنسانيته، وسَلْبٌ لإرادته، وتسفيهٌ لحُريته. وهكذا المفروض، أن ينظر الناس إلى حُرية المرأة.
فى نهاية فيلم «فى بيتنا رَجُل»، أيضًا، قصة إحسان عبدالقدوس، إخراج بركات، 1961، رسالة يوجهها إبراهيم، المناضل الفدائى، إلى حبيبته نوال :«علِّمى أولادك أن الحُرية أغلَى من الحياة».
   وهل يمكن أن تكون الحُرية أغلَى من الحياة، إلا إذا كانت هى فى حَدِّ ذاتها، غايةً قُصوَى، وهدفًا أسمَى؟
ليس من حق أحد، أيًّا كان، أن يسألنا: «لماذا نريد الحُرية؟ ولأى شىء نريدها، ونحرص عليها، حتى لو كان فقط من أجل الجلوس فى الشمس، أو تأمل المطر، وحماقات البَشَر، وشُرب فنجان قهوة». الحُرية، «ماء» يروينا. ومن السخف، التساؤل لماذا نريد الارتواء، وماذا سنفعل بعد سَدِّ العطش؟
«الحُرية»، أولًا.. وأخيرًا.
من واحة أشعارى:             
فعلت كل الأشياء       
المستحيلة قبل الممكنة
لأجعله سعيدًا راضيًا
متحققًا حُرًّا مطمئنًا
وعند أول نداء للموت
تركنى... يا لجحود البَشَر
وما أقساه حُكم القدر 