
د. مني حلمي
لأننى أمتلك جسمى
جسمى ملكية خاصة لى وحدى. وبما أن «جسمي» ملكية خاصة لى، إذن أنا «حرة»، فى كيفية التعامل معه . ولدينا مثل مشهور، يردده الجميع دائما، ويوافقون عليه: «كل واحد حُر فى مِلكه»، أو «مِلكى وأنا حُر فيه».
بحكم قانون حماية الملكية الخاصة، أستطيع أن أرفع قضية، ضد منْ يؤذى جسمى، وأن «أجرجره»، فى المحاكم، وأطالبه بتعويض كبير، يجعله يعلن الإفلاس المادى والأخلاقى، ويندم على التدخل، فيما لا يعنيه، ولا يملكه.
الجسد، له «حُرمة»، والجسد، له «خصوصية». كل إنسان، امرأة، أو رجلا، مادام عاقلا، ورشيدا، وكامل المواطنة، وحرا، سوف يحافظ تلقائيا، دون مواعظ، على جسده، وسوف يكون مسئولا عنه، ويقاوم كل محاولات إيذائه، أو أن يكون هو مصدرا، لإيذاء الغير.
ألسنا نؤمن بمبدأ «الخصخصة»، ونعتبرها الأنسب توافقا، وتناغما، مع فطرة البشر، المُحبة للتملك، ونردد دائما، أن ملكية الفرد، لشيء معين، تجعله ينميه، ويحافظ عليه؟
«خصخصة الجسم»، هى أهم مشروع استثمارى، نقوم به. وإذا فشلنا، لن ننجح فى أى مشاريع أخرى.
لى صديقة، لا تستطيع مواجهة زوجها، إنها تكره بشدة العلاقة الجسدية، الحميمة معه. فهو يوقظها، حينما تكون نائمة، لتلبية شهوته. لا يهمه، إذا كانت «تعبانة»، أو «ليست راغبة»، أو «زهقانة». كما أنه يؤلمها، بسبب تصرفاته العنيفة. أم صديقتى، تنصحها بالصبر، والتحمل، وألا تخرب بيتها بإيدها، قائلة: «كل الرجالة كده حتى أبوكي». وشيوخ الفتوى، قالوا لها: «إن جسمها ملكية خاصة لجوزها يعمل فيه اللى هو عايزه ، وقتما شاء، وليس لها حق الشكوى، والتذمر». وأصبحت صديقتى، تكره جسمها «المستعبد»، وتكره زوجها، وتكره حياتها كلها.
على مدى حياتى، تقربت من بعض المرضى عاصرت كيف يهدهم هوان المرض، ومذلته، وآلامه المبرحة. القاسم المشترك بينهم، مقولة يائسة: «نحن لا شيء إلا أجسامنا».
ومنْ تعرض للاكتئاب، هو خير منْ ينبئنا، كيف أن هذا المرض الخطير، يبدأ بالتسلل من «بوابة الجسم».
«العقل السليم فى الجسم السليم». هذا صحيح . لكن سلامة الجسم، مرهونة بشرط أساسى، لا غنى عنه.. ألا يكون «سلعة»، تُباع، وتُشترى، وألا يكون «مملوكا»، لأحد غير صاحب الجسم، أو صاحبة الجسم.
إن «نظافة» الجسم، و«نظافة» الفكر، و«نظافة» الأحلام، و«نظافة» الضمير، و«نظافة» الأخلاق، و«نظافة» الذمة، تبدأ من «نظافة» الجسم.
إن علاقة الإنسان العربى، بجسمه، وعلاقة الإنسانة العربية، بجسمها، علاقة «مُلغمة»، «معقدة»، «مريضة»، وليست بخير على الإطلاق. وإذا كنا نريد الصحة الجسمية، والصحة النفسية، فعلينا مواجهتها، بجدية.
منذ أيام، كنت أناقش «ملكية الجسد»، مع رجل مهووس بالذكورية. فى نبرة مستنكرة، غاضبة، متهمة، سألنى: «يعنى إيه تملكى جسمك؟!. ده كلام واحدة، عايزة تمشى على حل شعرها زى الغرب الكفرة؟. سألته: «ألا تملك جسمك»؟. بسرعة حاسمة، وفى فخر ذكورى، قال: «طبعا، أملك جسمى، هو أنا عبد مملوك للأسياد». قلت: «تبقى عايز تمشى على حل شعرك زى الغرب الكفرة». لم يرد.
أعتقد أن سبب عدم رده، يكمن فى المثل القائل: «كل بئر تنضح بما فيها».
وأقول لهذا الرجل، وغيره ممنْ لهم التفكير نفسه، إن الذى «يمنعني» فعلا، من أن أمشى على حل شعرى، بالتحديد، أننى «أمتلك جسمي»، ومسئولة عنه، ولست أرضى له، المهانة، بجميع أشكالها ودرجاتها.>