الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أيـام فـى روزاليـوســف

أيـام فـى روزاليـوســف




 
 
 


فى أول يوم عمل لى بالمؤسسة بعد تولى مجلس إدارتها فوجئت بأن الوديعة التى بحوزتنا محجوز عليها لصالح إحدى شركات الورق.. والماكينات لا تدور بسبب الأزمة المالية التى مرت بها البلاد عقب ثورة يناير
بحكم كونى من سكان حى السيدة زينب فكثيراً ما كنت أمر أمام مبناها العريق.. هذا المبنى تحديداً تمنيت أن أكون من ضمن العاملين فيه.. ولا أدرى حتى الآن سبب هذا الإحساس الذى كان ينتابنى عند مرورى أمامه.. ودون سابق ميعاد ودون ترتيب مسبق تحققت هذه الأمنية وضمتنى جدران هذا المبنى متدرباً حتى جاء الرجل الفاضل محمد عبدالمنعم الذى مازلت أحتفظ بجميله الذى طوق عنقى حينما قام بتعيينى صحفياً فى هذه الدار.
 

 
 
عملت فى هذا المبنى بكل حب وإخلاص وتفانيت فى بذل المزيد من الجهد، ولم أهمل فى أداء واجبى ولم أسئ لأحد حتى كلل الله جهدى هذا باختيارى لمنصب رئيس مجلس إدارة هذه المؤسسة العريقة، هذا المنصب لم أسع إليه وإنما أتى إلىَّ دون أن أخطط أو أعمل له، وقتها تذكرت أيام مرورى مع أصدقائى عند عودتنا من نزهتنا إلى كورنيش النيل التى اعتدنا عليها، مروراً بحى جاردن سيتى وأشاهد هذا المبنى الشامخ حتى نصل إلى منازلنا فى حى السيدة.
 

محمد عبد المنعم
 
أتحدث عن مبنى مؤسسة روزاليوسف صاحبة المدرسة الصحفية التى أنجبت للصحافة المصرية عمالقة وأساتذة تعلمت منها أجيال أخرى عديدة مثل محمد التابعى وإحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين وكامل زهيرى وفتحى غانم وصلاح حافظ.
 
مكانة هذا المبنى الكبيرة فى قلبى لا يمكن أن أرويها فى بعض السطور لأنها تحتاج إلى مجلدات، وإن كان ما يمكن أن أسطره فى هذا المقال قليل من كثير.
 
بداية أحب أن أعترف بأننى أكتب مقالى هذا عقب قبول مجلس الشورى لاستقالتى المسببة التى سبق أن تقدمت بها فى أكتوبر الماضى، «بالتأكيد لن يكون الأخير»، لعودتى إلى صفوف زملائى الصحفيين الذين أشكرهم على مساندتهم لى ووقوفهم بجانبى خلال هذه الفترة وهو ما قاموا به بالفعل بكل ود وترحاب.
 
ولكن الشكر الخاص لزملاء آخرين فى المؤسسة لم أكن أعرفهم من قبل سواء من الإداريين أو العمال فجميعهم وقفوا معى عقب اختيارى لهذا المنصب.
 
فى يومى الأول بالمؤسسة رئيساً لمجلس الإدارة توجهت إلى العاملين بها لتحيتهم ودخلت المطبعة للمرة الأولى، وعرفت أقسام التجليد والطبع المسطح والماكينة الكبيرة والصغيرة وماكينات الـ200 والـ700 والتوضيب ووجدت لدى الزملاء القائمين على هذه الأقسام الاستعداد التام لبذل الغالى والنفيس لرفع شأن ومقام مؤسستهم التى توقفت ماكيناتها عن الدوران بفعل الأزمة المالية التى مرت بها البلاد عقب ثورة 25 يناير.
 

عبد الصادق الشوربجى
انتهيت من المرور بأقسام المطابع وتوجهت بعدها لقطاع الإدارة، وفى الدور الذى يضم الإدارة المالية كانت صدمتى الأولى، حيث فوجئت بالموقف المالى الصعب الذى تمر به المؤسسة المتمثل فى قيام إحدى شركات الورق بالحجز على وديعة مالية وفاءٍ لدين قديم نتيجة لتوريد ورق طباعة ولم يسدد ثمنه، وهنا قام بعض الزملاء بتحرك سريع وقبل تولى منصبى لحل هذه المشكلة، فكان قرارى بسرعة السفر إلى الإسكندرية بصحبة المهندس عبدالصادق لإتمام ما سبق أن اتفق عليه الزملاء، وبالفعل وفقنا الله وتمت جدولة الدين بعد فك الحجز على الوديعة وبدأت عجلة الإنتاج بدوران الماكينات، كما تم الاتفاق على جدولة ديون بعض الموردين، وفى نفس الوقت تم إقرار حافز مالى جديد للعاملين تشجيعاً على زيادة الإنتاج.
 
خلال هذه الفترة البسيطة توطدت علاقتى بجموع العاملين فى المؤسسة وشاركتهم أفراحهم وأحزانهم كما شاركونى أحزانى حينما وقفوا معى عندما فقدت زوجتى وشعرت بأنهم أهلى عندما وقفوا بجانبى فى سرادق العزاء  يتلقون العزاء معى، هذا بخلاف وجبات الإفطار التى كانت تجمعنا عمالاً وإداريين، تكرر هذا معى فى جميع أقسام المطابع سواء فى الكرومومان والبلاماج والـ200 والـ700 والطبع المسطح، وكذلك عرفت كتيبة قسم التجليد سواء العادى أو الفاخر، وكثيراً ما كانت تجمعنى مع العاملين فى هذه الأقسام حلقات نقاش نتدارس فيها أحوال المؤسسة وشئونها، ونفس الحال تكرر مع جميع العاملين فى أقسام الإدارة والبوابات وأعضاء مكتبى، وكنت أجد منهم جميعاً آراء جيدة أسعى إلى تطبيقها والعمل بها، لدرجة وصل معها الأمر إلى تصريح البعض لى بأنهم أصبحوا لا يخشون المرور أو الدخول لمكتبى بعد أن أعطيت أوامر صريحة لأعضاء مكتبى بعدم منع أى فرد يريد أن يقابلنى فأصبح شعور الأسرة هو الذى يميز علاقتى بالعاملين فى المؤسسة.


ملحوظة : تعمدت عدم تحديد أشخاص بعينهم لأن ما وجدته من حب وترحاب لشخصى الضعيف ميز كتيبة جميع العاملين فى روزاليوسف، وبالتالى لا استطيع أن أذكر اسم أحد منهم وأغفل اسم الآخر. فجميعهم يحبون  المؤسسة ويؤمنون بما تقدمه من دور مميز لخدمة وطنهم الأكبر مصر.. وأحب هنا أن أذكر أنه عندما صدر قرار تكليفى بإدارة المؤسسة تملكنى خوف شديد من حجم المسئولية الملقاة على عاتقى ولكن الحب الموجود داخل قلوب العاملين لمؤسستهم ساعدنى على تجاوز هذا الإحساس والذى للأمانة كان  يتملكنى  قبل صرف المرتبات شهريا لنقص السيولة التى كانت تعانى  منه المؤسسة ، ولولا جهود بعض الزملاء العاملين فى القطاعات التى لها علاقة بتحصيل حقوق المؤسسة  وتوفير الموارد المالية اللازمة لمتطلبات الزملاء لما زال عنى هذا الشعور وتولى تنظيم هذا الدور بامتياز الصديق العزيز عبدالصادق الشوربجى الذى عمل معى بكل أمانة وحب ورفض العمل خارج البلاد بمرتب يفوق ما كان يتقاضاه فى روزاليوسف بكثير بعد ان تمسكت به وتمسك به العاملون فى المؤسسة حين علموا بأنه سيسافر للعمل  بالخارج.
 
عملنا بهذه الروح التى تجمع بين الحب والمودة والحزم والعمل الجاد التى جمعت بين أكبر مسئول وأصغر عامل وتخطينا سويا أغلب العقبات التى واجهت المؤسسة حتى كانت الطامة الكبرى عندما قام وزير المالية بخصم نصف مستحقات المؤسسة لدى الوزارة وفاء لمديونيات ضرائبية قديمة مستحقة للدولة قبل أن أتولى منصبى ، وهذا ما اعترضت عليه وتقدمت بسببه باستقالتى نتيجة لتعنت وزارة المالية مع المؤسسة ، وهذا ما تأكدت منه عندما حددت الوزارة المبلغ المستقطع لتسديد ضرائب عن عام 1994 وتناست الوزارة نفسها المطالبة بهذه الضرائب فى عهد من كان يدير المؤسسة وقتها، وطالبت  مسئولى الوزارة بمحاسبتى عن الفترة التى توليت فيها إدارة المؤسسة  ضرائبيا ، وهذا ما لم يفعلوه فكانت استقالتى التى قبلها مجلس الشورى مشكوراً.
 
الذى أسعدنى وأدخل البهجة إلى قلبى أن من تولى رئاسة مجلس إدارة روزاليوسف هو المهندس عبدالصادق الشوربجى الذى يعرف كل خبايا المؤسسة بل وخبايا كل ماكينة طباعة فيها.. وفقه الله لما فيه الخير لـ«روزاليوسف» ولجميع العاملين فيها التى لن ينجح أى حاقد فى تغيير وجهتها وسياستها وستظل هذه المؤسسة منبرا للرأى الحر، داعية للدولة المدنية رغم أنف من يسعون إلى تغيير هويتها.