الخميس 19 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
أخلاق «نخبة البلد»!

أخلاق «نخبة البلد»!


الأسبوع الماضى، حضرت ندوة فى أحد المراكز الثقافية، بعنوان: «آفاق التقدم العربى.. المعوقات والإمكانات».
الموعد المعلن للندوة، هو السابعة مساء. لكنها لم تبدأ، إلا فى الثامنة، والنصف.
 
بعد ساعة، ونصف من الانتظار، كنت قد فقدت تركيزى، وفقدت طاقتى، فقدت حماسى.  وفقدت اهتمامى بكل ما يرتبط، من قريب، أو من بعيد بـ«آفاق التقدم العربي». وبدأت أشعر بأعراض الاكتئاب. بداخلى إحساس بالقهر، والغضب، وكراهية الندوات الثقافية، وغير الثقافية.  لا عايزة تقدم عربى، ولا يحزنون. عايزة «أروح» بيتنا فورا.
انتهى حديث الضيوف الساعة الحادية عشرة مساء، وُفتح باب المناقشة للجمهور.  قلت أخيرا يُطلق سراحى  لكننى فكرت، إذا انصرفت من دون التعبير عن غضبى، سوف أمرض نفسيًا، وعضويًا.. هكذا هى شخصيتى. وأنا لست مستعدة، للتضحية بصحتى النفسية، والعضوية، من أجل أى شيء، حتى «آفاق التقدم العربي». يكفى «لآفاق التقدم العربي»، أنها «ضيعت» وقتى. لن أسمح لها، بأن تضيع صحتى، وتكامل شخصيتى.
أعطانى رئيس الندوة الكلمة قائلا: «بس لو سمحتِ باختصار شديد، احتراما لوقت الضيوف، ووقت الجمهور»!
جاءت كلمتى، كالآتي: «هل يمكن أن نتحدث عن آفاق التقدم العربى،  وبديهيات التقدم، مثل احترام الوقت، غائبة تماما؟.. هل يمكن أن يتقدم العرب، فى أى مجال،  فى ثقافة لا تحترم، وقت البشر؟ لماذا تبدأ الندوة، الساعة الثامنة والنصف، وقد كان موعدها المعلن السابعة؟ وإذا تأخرت عن الموعد، كان لابد أن نفهم أسباب التأخير، وأن نسمع كلمة اعتذار واحدة.. لكن تجاهل الأمر، واعتباره أمرا عاديا،  وطبيعيا،  فهذا مرفوض.. وإن دل على شيء، فإنه يدل، على رخص الإنسان، فى مجتمعاتنا.. إنسان «نلطعه» بالساعات،  ولا نريد أن يتذمر، أو يتساءل. بل نتوقع منه أن يبتسم، ويناقش آفاق التقدم». 
خرجت من الندوة، من دون انتظار للرد. أولاً، لأننى كنت مرهقة،  وزهقانة.  ثانيا، لأننى متأكدة، أن العذر سيكون أقبح من الذنب . 
عند الباب الخارجى، استوقفنى واحد من الجمهور قائلا: «الحكاية مش مستاهلة ده كله.. دى حاجة تافهة.. والبلد كلها ماشية كده.. حضرتك مش من مصر ولا إيه؟ ليه تكبرى الحكاية وتحرجى الناس.. إيه يعنى شوية انتظار، محدش عارف ظروفهم.. دول من نُخبة البلد، ومن كِريمة المجتمع.. كتر خيرهم أنهم مهتمين بينا.. انتى اللى غلطتى، وخالفتى التقاليد المصرية، وجيتى بدري».
أكملت طريقى، ولم أرد. إذا كان الطرف الذى وقعت عليه الإهانة،  راضيا،  وسعيدا، وعنده تبريرات للإهانة، ويقف مع منْ «لطعوه»، و«استرخصوه»، وضد منْ نطقت بالغضب، وتدافع عن كرامتها، أى أنه «ملَكيا أكثر من الَملِك»، يبقى مافيش فايدة فعلا.   
وإذا كانت «نخبة» البلد، و«ِكريمة» المجتمع، بهذا «التسيب»، و«الاستهانة» بالناس، فهى، شر على البلد، وخطر على المجتمع ، وكاذبة، ومتناقضة.
هل عدم الانضباط فى الوقت، من عادات المصريين، والمصريات، كما قال؟ إذا صح هذا، فإنها عادة فى منتهى القبح، وعلينا أن نخجل منها، ونتخلى عنها. 
من ملاحظاتى، وتجاربى،  باعتبارى مصرية، وأعيش فى مصر، أقول أننا لا نحترم الوقت، مع الناس، الذين لا يمتلكون سلطة، وليسوا فى وضع يمكنهم من معاقبتنا، وتأنيبنا، ورد الإهانة. إذا كان الموعد مثلا، مع «الوزير»، جاء الناس فى الموعد تماما، أو حتى قبل الموعد. إذا كان الموعد مع «الغفير»، جاءوا بعد الموعد، دون اعتذار، وقد لا يجيئون أصلا.  ماذا يملك «الغفير»، من سُلطة الدنيا، لكى نلتزم بالوقت معه؟ 
مثل شائع يقول: «الوقت فلوس».
لكننى أقول: «الوقت كرامة».