الإثنين 21 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
إيليا وعبداللطيف.. والموهوب عندما يبيع نفسه للسلطة!

إيليا وعبداللطيف.. والموهوب عندما يبيع نفسه للسلطة!


قبل أكثر من عشر سنوات منحت الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون للمخرج إيليا كازان جائزة أوسكار إنجاز العمر تكريما لتاريخه الفنى المرصع بعشرات من الأفلام المهمة ولكن الذى حدث هو أن القاعة فى هوليوود التى شهدت هذا العرس شهدت أيضا تصفيقا مشوبا بالاستهجان، لم ينس له الفنانون أنه كان فى الخمسينيات من القرن الماضى واحدا من عيون النظام التى تشى بالزملاء موجها لهم الاتهام بالشيوعية الذى كان يعد أثناء الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتى  - روسيا الآن - اتهاما يصل إلى حدود الخيانة العظمى.
فى كل الأزمنة تحاول السلطة أن تبحث عن الموهوبين ليتحولوا إلى أذرع لها، ومن الممكن أن تجد مثلا فى المخرج السورى الموهوب عبداللطيف عبدالحميد شيئا من ذلك، هو لم يكن يوما عينا على زملائه، ولكنه كان فى السنوات الخمس عشرة الأخيرة هو المخرج السورى الأقرب للنظام وتم إبعاد فيلمه «العاشق» مؤخرا من جداول مهرجانى القاهرة ودبى بعد أن رشح فى البداية للمشاركة فى المهرجانين.
لم يكن الأمر متعلقا بمستوى الفيلم الذى لم أشاهده بالمناسبة حتى الآن، وربما كان مستواه الفنى كما قال بعض الزملاء لا غبار عليه، ولكن الأمر كان متعلقا هذه المرة بموقف سياسى موجه ضد مؤسسة السينما السورية التى أنتجت الفيلم وهى ذراع بشار الأسد فى السيطرة على السينمائيين.
أنا أرى أن إبعاد الفيلم موجها ليس إلى المخرج ولا حتى مؤسسة الإنتاج، ولكن إلى بشار الأسد الذى لا يزال يمتلك فى يديه أسلحة يوجهها إلى صدور شعبه الثائر مستندا إلى دعم من عدد من الدول ترى أن فى بقائه قوة ونفوذا لها فى المنطقة مثل إيران كما أن الصين وروسيا تعتبره حليفا لها، بشار لن يستسلم بسهولة وأمامه شبح يلوح وهو مصير القذافى.
بشار يعلم أن الحرب ليست ذخيرة فقط يطلقها عبر فوهات مدافعه ولا هى صواريخ مدمرة تدك بيوت الشعب السورى الثائر، ولكنه لديه ذخيرة ناعمة يطلقها عبر «الميديا» وهكذا وجدنا محطات فضائية تمولها أجهزة المخابرات ومسلسلات تقف وراءها أجهزة أمنية ليس مهماً أن تقول رأياً مؤيداً لبشار فى البرنامج أو المسلسل، ولكن المطلوب هو أن تصدر للرأى العام أن سوريا تعيش حياة عادية لا ثورة ولا شهداء ولا دماء زكية تراق على الأرض.
آخر الأسلحة التى يشهرها بشار هى الأفلام السينمائية وهكذا حاول أن يخترق عدداً من المهرجانات لا أتصورها صدفة أن يرسل فى نفس الوقت فيلم «العاشق» إنتاج مؤسسة السينما السورية إلى كل من مهرجانى القاهرة ودبى وأن تزداد الجرعة المرسلة إلى مهرجان دبى بفيلمى «مريم» و«صديقى الأخير» من إنتاج شركات خاصة مؤيدة للنظام بحجة أن هذه السينما وأن الثقافة تعلو على السياسة، برغم أن الأمر منذ اندلاع ثورات الربيع أسقط تماماً هذا الخط الفاصل بين الثقافى والسياسى. مهرجان القاهرة كان منوطاً به أن يدرك ذلك من الوهلة الأولى، ولكنهم صمتوا لولا أن البعض أشار وبينهم كاتب هذه السطور إلى أن فيلم «العاشق» إنتاج «المؤسسة العامة للسينما» التى تُنزل أشد عقاب بأى فنان يقف فى صف الجماهير أو حتى يُمسك العصا من المنتصف. المخرج عبداللطيف عبدالحميد واحد من أفضل مخرجى سوريا هذه حقيقة، ولكنه فى نفس الوقت هو الأقرب للنظام.
المهرجانات فى العالم كله ضبطت إيقاعها على موجات ثورات الربيع العربى ولعبتها سياسة «كان» و«برلين» و«فينسيا» عرضت الأفلام التى تنحاز للثورة فى مصر وتونس وليبيا وسورية ولم تسمح بأى فيلم يقف محايدا، فلا يمكن لأحد الآن أن يقف على نفس المسافة بين القاتل والقتيل.
تابعت حالة «الشحتفة» التى انتابت عدداً من الزملاء وهم يعلنون غضبهم لاستبعاد «العاشق» فى اللحظات الأخيرة من فعاليات مهرجان القاهرة رغم أنها عودة للوعى المفقود. لاشك أن مهرجانى القاهرة ودبى برفضهما تلك الأفلام وجها ضربات موجعة لبشار وفى نفس الوقت بعثا رسالة للثوار تقول نحن معكم ؟!
عندما أتذكر المخرج عبداللطيف عبدالحميد وهو يتلقى خبر استبعاد فيلمه من القاهرة ودبى أستعيد موقف إيليا كازان فى الأوسكار وهو يتلقى التصفيق لإنجازه الفنى والاستهجان لأنه كان صوتا للنظام!