الإثنين 29 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
هل يرضى الرجل أن نخاطبه بـ «عزيزتى المواطنة»؟

هل يرضى الرجل أن نخاطبه بـ «عزيزتى المواطنة»؟


أشعر بالإهانة.. أشعر بالضآلة. لأن لغتى العربية تضعنى «على ذمة» اللفظ الذكورى.
كيف أصدق مقولة إن «اللغة وطن»، ومع لغتى العربية أحس بالغربة والتشرد؟
كيف أقتنع أن «اللغة حياة»، ولغتى العربية «لفتني» فى كفن «ذكوري»؟
الكتابة تحليق فى الفضاء.. كيف أطير عاليا، ولغتى العربية «كسرت» أجنحتى، وأعطتها للذكور؟

اللغة تعكس المجتمع. فكما يحدث أن «وجود» الذكور يغطى على «وجود» الإناث، فى الحياة. اللغة أيضاً، يغطى اللفظ الذكورى على اللفظ الأنثوى. وهذا «حجاب» آخر، يغطى النساء، ليس بالقماش، ولكن بالكلمات. وهو أيضا، «ختان»، مريع لإنسانية المرأة.
نسمع طول الوقت: عزيزى المستمع.. عزيزى المشاهد.. عزيزى القارئ.. عزيزى العضو.. أيها السادة.. عزيزى المواطن.. رجال الأعمال.. رجال الدولة.. رجال الوطن.. رجال الصحافة.. رجال الإعلام.. أخــى المواطن.. مجلس الآباء.. رئيس التحرير.. رجل الشارع.. مدير المهرجان.. رئيس الأوبرا. وفى لوحات المرور نجد صورة رجل، ليعبر عن النساء، والرجال. كل الصياغات، والنداءات، والتعبيرات، والأوراق الرسمية للدولة، مكتوبة بصيغة المذكر. ما هذه الإهانة البالغة «المقننة»؟
انتهى المجمع اللغوى، مؤخرا، من مشروع قانون حماية اللغة العربية، ويتضمن 21 بندا. لم يتنبه أحد أن هناك ضرورة ملحة، لإضافة بند أساسى، يتدخل فى صميم جوهر، وتركيب، وبنيان، ودلالة اللغة، هو «حظر» «ذكورية» اللغة العربية؟
المجمع اللغوى، مع المجتمع، بكل فئاته، وشرائحه، وطبقاته، وأحزابه، ومؤسساته الإعلامية، والتعليمية، والثقافية، تشارك فى هذا الأمر.
حتى التيارات التقدمية، الثورية، لا تنتبه أن «اللغة» تحتاج إلى تقدم، وثورة.
النساء أنفسهن، العاملات فى مجال العدالة بين الجنسين، لا يذكرن أبدا عدم العدالة فى اللغة.
 وفى كل أغانى الحب، يخاطب الرجل المرأة، باعتبارها «الحبيب»، وليست «الحبيبة». مثلا: «أحبه مهما أشوف منه».. «لو كنت يوم أنساك». نادرة جدا الأغنيات التى تخاطب المرأة كحبيبة. مثلا: «لا يا حبيبة روحي»، «راح توحشيني».
سألت رجلاً طبيبا، لا يعتبر اللغة قضية، هل ترضى التعريف بك، على أنك «استشارية» طب الأسنان؟ أو «عضوة» الجمعية الدولية لطب الأسنان؟ انتفض غاضبا، مستاءً، وقال: «لأ طبعا مستحيل.. إنها إهانة بالغة، لا يرضاها رجل لديه كرامة».
وسألت رجلا آخر: هل ترضى بصيغة «عزيزتى المواطنة»، التى تضم الرجل، والمرأة؟ رد فى ضيق، واستنكار: «ما هذا الهراء، والتخريف، والسفه، والتفكير الشاذ»؟ هذا الهراء، والتخريف، والسفه، والتفكير الشاذ، له معنى آخر، هو «عدالة اللغة».
نسمع طول الوقت أن العربية، هى «لغتنا الجميلة». وأندهش، كيف للجمال أن يوجد بدون عدالة؟ بدون إنسانية؟
من «غناء القلم» أطالب بإيقاف هذه المهزلة اللغوية وإعداد قانون، «يجرم»، و«يحظر» استخدام اللفظ الذكورى للدلالة على الرجال، والنساء.
أسعد، حينما أشاهد أحد البرامج المرئية، وأجد الرجل الضيف، يقول:
«نساء ورجال الإعلام.. أو نساء ورجال التعليم». وهذا شيء نادر.
فى العالم كله، حققت الحركات النسائية ثورة لغوية، تنهى «إخفاء» المرأة فى اللغة، وتعطى النساء كرامتهن اللغوية، الجديرة بهن. الثورة تبدأ باللغة. النهضة تبدأ بالكلمة.
من بستان قصائدي
أرتشف ماء قلبى
ألتهم خبز كرامتى
أنام فى حضن ذكرياتي
تدفئنى وحدتي